أثارت التظاهرات التي نظمها أتراك في عدد من المدن التركية ضد الوجود السوري في تركيا مخاوف لدى اللاجئين السوريين من جهة، ولدى الحكومة التركية من جهة أخرى، وهي التي وقعت بين نارين: نار «الضيوف» اللاجئين الذين تجاوز عددهم في تركيا المليون سوري، وعددهم في ازدياد، ونار المتظاهرين الأتراك الذين عبّروا بغضب عن رغبتهم بترحيل السوريين من مدنهم. حيث يخشى السوريون وبخاصة ممن لا يستطيعون العودة إلى سورية خوفاً من المساءلة الأمنية، من تطور التظاهرات ضدهم أكثر، واضطرار الحكومة التركية بعدها إلى اتخاذ اجراءات بحقهم. في حين تتحسب الحكومة التركية من الأجندات السياسية التي يطبّقها بعض المتظاهرين، والتي تلعب على وتر دعم الحكومة التركية للاجئين السوريين واستقبالها لهم. أسباب مباشرة يرى ناشطون سوريون في تركيا أن بعض التصرفات الفردية لبعض السوريين أشعلت نار التظاهرات التركية ضدهم، حيث قامت بعض العصابات بسرقة محلات تركية في مدينة غازي عنتاب، واختلاق المشاكل، كما يتعمد بعض الشبان السوريين التحرش اللفظي (تلطيش) السيدات التركيات. هذا بالإضافة إلى إقلاق بعض السوريين راحة جيرانهم الأتراك بالضجيج والسهر حتى الصباح، في حين يحافظ الأتراك عادة على راحة جيرانهم. وسبب انتشار بعض المتسولين الذين يدّعون أنهم سوريون في حين أنهم من الغجر المشردين الذين يقومون باستئجار جوازات سفر سورية إزعاجاً للأتراك. وكانت حادثة الاعتداء الجنسي على شاب تركي في الثانية عشرة من عمره من جانب شاب سوري في مدينة غازي عنتاب التركية التي أصبح نصف سكانها من السوريين سبباً مباشراً للاشتباك بين أتراك وسوريين، ولخروج تظاهرة ضخمة في المدينة منذ أيام، تلاها خروج تظاهرة أخرى في مدينة مرعش الحدودية، حيث عمد المتظاهرون إلى تحطيم سيارة سورية، وتكسير واجهات محال أصحابها سوريون، وتدخل الأمن التركي لحماية الممتلكات وفضّ التظاهرة. ويرى البعض أن: «مختلقي المشاكل والمحرضين على السوريين هم إما من أتباع نظام الأسد الذين أرادوا إشعال التظاهرات من جديد في تركيا للانتقام من موقف الأتراك تجاه الثورة السورية، ولبث الخلاف بين السوريين والأتراك، أو من معارضي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أي من مؤيدي بعض الأحزاب كحزب الشعب الجمهوري (جي هي بي) وحزب الحركة القومية (مي هي بي)». أحد الأتراك الذين لديهم جيران سوريون في اسطنبول قال ل «الحياة»: «أحب جيراني بشكل عام، وجيراني السوريين بشكل خاص، لكنني أتضايق من ضجيجهم ومن لعب أطفالهم المستمر وصراخهم في الشارع، ومن عدم محافظتهم على نظافة البناء، والمشكلة أنهم لا يفهمون اللغة التركية ولا أستطيع إيصال ما أشعر به لهم». ويرى تركي آخر أن: «رفع الأسعار بشكل كبير في تركيا عموماً وفي اسطنبول بشكل خاص الذي تسبب به تدفق السوريين الهاربين من الحرب، وبخاصة أسعار العقارات من بيوت ومحال تجارية، جعل الأتراك يتساءلون عن جدوى استقبال هذه الأعداد الكبيرة من السوريين في بلادهم». محاولات المجتمع المدني وفي إطار المساهمة في حل هذا الإشكال، بدأ ناشطون سوريون حملة على «الفايسبوك» لتنبيه السوريين الى ضرورة ضبط تصرفاتهم والالتزام بالعادات والقوانين التركية من ناحية، ولشكر الأتراك على استضافتهم لتخفيف الاحتقان من ناحية أخرى، حيث قام ناشطون بتوزيع الماء والتمر وورقة شكر على الأتراك في فترة الإفطار في مدينة الريحانية الحدودية وغازي عنتاب. كما تنادى إعلاميون سوريون مقيمون في تركيا للتواصل ووضع خطة توعية للسوريين وتخفيف الاحتقان الذي أصبح موجوداً في الشارع التركي. لكن بعد أن وصلت المشاكل إلى اسطنبول، حيث تعرض بعض الأطفال السوريين في منطقة الفاتح في اسطنبول لاعتداءات لفظية وتحرشات من شبان أتراك، وخرجت تظاهرة محدودة في منطقة بكركوي في المدينة، بدأت الحكومة التركية والمعارضة السورية في تركيا تتدخل لوقف تفاقم المشكلة... لا نية لطرد السوريين وفي الوقت الذي تداولت فيه وسائل إعلام مختلفة كلام محافظ اسطنبول، حسين افني موتلو، بأن الحكومة التركية ستتخذ إجراءات جدية حيال فئة من السوريين ممن يقلقون سكان مدينة إسطنبول، ويسيئون الى سمعة الشعب السوري، وتأكيداته بأن الحكومة تعمل حالياً على «إصدار قانون لنقل من لا يملك عملاً أو مكان إقامة إلى المخيمات، حتى من دون رضاهم»، نفى مدير الأمنيات (الأمن التركي) في مدينة غازي عنتاب نية الحكومة التركية نقل السوريين الموجودين في المدن إلى المخيمات. وأشارً إلى أن: «الحقيقة هي أن السلطات التركية تجهز مخيماً بالقرب من المدينة يتسع لعشرين ألف شخص، كمأوى موقت للأشخاص الذين ينامون في الأماكن العامة، كما سيتم تخصيص جزء منه للأشخاص الذين يرتكبون جرائم أو مخالفات للقانون والصحة العامة. وكان قد زار وفد من الائتلاف الوطني السوري برئاسة هادي البحرة رئيس الائتلاف (الأربعاء 16 تموز) والي السوريين في تركيا فيصل يلماز بحضور المدير التنفيذي لاتحاد منظمات المجتمع المدني السوري محمد سعيد وذلك في مدينة غازي عنتاب، للوقوف على المشكلة، وشكر البحرة الوالي على التسهيلات التي تقدمها الحكومة التركية للسوريين، مشيراً إلى أن: «الأخطاء التي تصدر من بعض السوريين في تركيا لا تمثل واقع ثقافة المجتمع السوري الحقيقي، ولا تعدو كونها تصرفات فردية». وأكد والي السوريين أن التظاهرات التي خرجت ضد السوريين لا تمثل موقف الشعب التركي ككل، بل قام بها عدد من الشباب الذين تحركهم أيادٍ خفية ناجمة عن طبيعة التجاذبات السياسية التي تشهدها تركيا». في حين ركز أعضاء في الائتلاف الوطني السوري على أهمية أن تتخذ السلطات التركية الإجراءات المناسبة بحق السوريين المخالفين للقانون، حيث كانت السلطات التركية تطلق سراح السوريين الذين يرتكبون انتهاكات لكونهم سوريين. وبناء على لقاء بين عضو الهيئة السياسية في الائتلاف نذير الحكيم مع والي مدينة مرعش التركية، أكد الوالي توجيهاته للسلطات الأمنية على ضرورة زيادة حماية أماكن التواجد السوري في المدينة والعمل على تحسين ظروف معيشة بعض العائلات المحتاجة.