تتطور اللغة في المجتمعات مع مرور الوقت. تدخل القاموس كلمات جديدة، وتندثر أخرى بفعل قدمها. بقاء الكلمات «القديمة» لا يعني استمرارها، فهي «تموت» عندما تصبح خارج نطاق الاستخدام في عالم اليوم. وكما أن بعض الكلمات «يتوفّى وفاة طبيعية» نتيجة تقدمه في السن، فإن كلمات أخرى تُتوفّى رغماً عنها، كالحال في بريطانيا وفرنسا حيث تسعى جمعيات نسوية إلى منع استخدام كلمات تعتبرها هذه الجمعيات «مسيئة لكرامة المرأة». بدأت القصة في كانون الثاني (يناير) الماضي عندما منعت بلدة «سيسون - سيفين» في غرب فرنسا استخدام كلمة «مادموزيل» (آنسة) لتعريف الأنثى في أي وثائق رسمية، معتبرة أن النساء، مثل الرجال، لا يجب تعريفهم وفق حالتهم الزوجية (في حال كانوا عازبين أو متزوجين). ولم تعد البلدة تُطلق على النساء – سواء كن فتيات مراهقات أو جدّات أو سيدات أعمال في الأربعينات أو الخمسينات – سوى كلمة «مدام» (سيدة)، تماماً كما هي حال الرجال الذين يتم تعريفهم بكلمة «مسيو» (سيّد) بمجرد أنهم لم يعودوا أطفالاً صغاراً يرتدون «الشورت». ويقول عمدة البلدة، ميشال بيهان، إن الهدف من الغاء كلمة «مادموزيل» هو القضاء على «التمييز» بين الجنسين. وكان بيهان الذي انتخب عمدة للبلدة عام 2008 بعد أن قاد حملة شعارها «المساواة الجنسية»، بدأ بعد انتخابه مع عدد من أعضاء المجلس البلدي المؤيدين لسياساته حملة هدفها تغيير أي قوانين يشتمّون فيها رائحة «تمييز» ضد النساء، فكانت كلمة «مادموزيل» أولى ضحاياهم. بين الكلمة واللهجة وإذا كانت حملة الفرنسيين على كلمة «مادموزيل» تنطلق من هدف «نبيل» وهو السعي إلى منع «التمييز» الجنسي عن النساء، فإن البريطانيين شنّوا، من جهتهم، هجوماً مماثلاً تقريباً على كلمات يعتبرون أنها مسيئة الى «الجنس اللطيف» (وهي كلمة أخرى ربما يأتي عليها «مقص» الممنوعات في يوم من الأيام). فقد أصدرت بلدية برايتون أند هوف في جنوب إنكلترا تعليمات إلى سائقي باصات نقل الركاب منعتهم فيها من استخدام كلمات «ترحيب» معينة بزبائنهم من النساء. نصّت التعليمات على أن السائقين لم يعد بإمكانهم استخدام كلمات تتضمن تعبيراً رقيقاً للترحيب بالنساء خوفاً من أن يُسبّب ذلك إساءة لمشاعرهن. وبذلك لم يعد في إمكان السائقين استقبال زبائنهم من الجنس الآخر بكلمات مثل babe (الطفلة الصغيرة) وPET (الحيوان الأليف الذي يسكن البيت مع أفراد العائلة) وFLOWER (الزهرة) وDUCK (البطة) وGORGEOUS (الفاتنة الجمال)، وجميعها كلمات يرتبط استخدامها في المخيّلة العامة غالباً – وليس بالضرورة دائماً - بشريحة معيّنة من الإنكليز هي فئة الطبقة الشعبية (مثل السباكين وعمال البناء وغيرهم). لكن هذا المنع أثار جدلاً واسعاً بين البريطانيين كونه «يُجرّم» كلمات ليست بالضرورة سيئة ويختلف قولها من شخص إلى آخر. فكلمة «جميلة» إذا قيلت إلى إمرأة قبيحة تعني بلا شك أن الشخص الذي قالها يعني الاستهزاء بها. كما أن إطلاق وصف BABE على إمرأة مسنة يبدو غير لائق بدوره. ولكن بعض النسوة لا يرى أن الأمر يجب أن يصل إلى حد منع استخدام الكلمات بشكل كلي لأن ذلك يعتمد على الشخص الذي يستخدم الكلمات وهل يقصد فعلاً ما يقول أو أنه يهزأ أو يحاول التودد إلى المرأة، ربما على أمل إقامة علاقة معها. وتقول تيانا وهي موظفة محلية شاركت في نقاش مفتوح حول هذه المسألة: «أنا شخصياً لا أمانع، بل إنني غالباً ما أحب (هذه التعابير). أعتقد أنها تنم عن لطف وليس عن محاولة استهزاء. لو كان شخص ما يحاول أن يهزأ بي لعرفت ذلك من نبرة كلامه ومن تصرفه، وهو ما سأعترض عليه. لكنني أحب أن أسافر (بالباص) في دافون (غرب إنكلترا) وأن يُلقي الناس التحية عليّ ب «حبيبتي» لأن ذلك يذكّرني بأجدادي وأخوالي وأعمامي الذين كانوا يسكنون هناك قبل وفاتهم ودائماً ما كانوا ينادونني بهذا التعبير»، المنتشر، كما يبدو، بين سكان الريف في غرب إنكلترا من دون أن يعني أي إساءة باطنية. وتوضح تيانا ان الناس كانوا يعانقونها في ما مضى للترحيب بها، وهي عادة لم تعد منتشرة اليوم، ربما لتغيّر العادات وكونها أصبحت تصرفاً تستاء منه النساء. كاميرون يعتذر وتؤيد «جيل» رأي «تيانا» قائلة إنها لا تملك سيارة وبالتالي فإنها تسافر بالباص كل يوم إلى العمل وصار وجهها معروفاً للسائقين في منطقتها. وتضيف: «بما أنني زبونة دائمة، يعرفني السائقون جيداً وغالباً ما يرحبون بي بكلمات مثل «لوف» (يا حبيبتي) و «بت» (حيواني الأليف) و «دارلينغ» (عزيزتي) و «سويتي» (يا حلوتي) و «هاني» (يا عسل). لا أمانع في ذلك أبداً، أعتقد أنها كلمات تعبّر عن مشاعر تودد. لكن ربما طريقة قول هذه الكلمات هي السبب في أن بعضهن يعتبرها مسيئة». غير أن مشاركة ثالثة في النقاش تستخدم إسم سنشاين أشارت إلى أنها على رغم عدم اعتراضها على معظم هذه الكلمات إلا أنها تستاء من استخدام عبارة «بيب» (يا صغيرتي) لوصفها، قائلة إنها تعتبر هذه الكلمة تقلل من احترام المرأة. لم يكن سائقو الباصات في برايتون الوحيدين الذين طاولتهم «مقصلة» منع استخدام الكلمات التي يُمكن أن تسيء إلى النساء حتى ولو بدت بريئة في ظاهرها. فقد اضطر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون نفسه إلى إصدار اعتذار لنائبتين في البرلمان تحدث إليهما بطريقة بدا أنها تنم عن «تمييز» ضد الجنس الآخر. فقد قال للنائب العمالية أنجيلا إيغل خلال نقاش في مجلس العموم أواخر العام الماضي: «إهدئي، يا عزيزتي»، في حين قال عن النائبة في حزبه نادين دوريس إنها «مهتاجة جداً». وأثار التعبيران المسيئان الى النائبين واللذين قيلا في جلسات عامة للبرلمان، موجة غضب عارمة ضد رئيس الوزراء الذي سارع إلى إصدار اعتذار صريح قائلاً إنه لم يقصد أي إساءة وإنه استخدم التعبيرين تحت وطأة الضغط الذي يواجهه خلال الاستجواب الأسبوعي الذي يقوم به النواب لرئيس الوزراء.