«هل صحيح ان النساء مثل الباصات؟» سؤال هذري طرحه «فرانكو الثالث» على موقع «ياهو آنسرز» وأضاف شارحاً: «المقصود أنك ما إن تكاد تتخلّص من واحدة (من النساء) حتى تأتي أخرى مكانها بعد ربع ساعة... تماماً مثل باصات الدولة». أثار هزء «فرانكو» بالنساء غضبهن، فانهالت عليه ردود «الجنس اللطيف» بتساؤلات لا تقلّ هذرية. قالت «ماما لونا»: «نعم، والرجال أيضاً (ما إن تتخلصي من أحدهم حتى يأتي بديل له بعد 15 دقيقة). ومثل الإعلانات التجارية لا يمكنك أن تصدقي كلمة يقولونها. ومثل الكومبيوتر معقدون وليس عندهم ذاكرة كافية. وهم مثل السندات الحكومية يحتاجون إلى وقت طويل كي ينضجوا... ومثل مواقف السيارات، الجيّدة منها تكون مشغولة والمتوافرة فيها مشكلة». وكرّت سبحة «ماما لونا» مكيلة النعوت السيئة ل «الجنس الخشن». لكن «فرانكو»، في واقع الأمر، لم يكن مخطئاً تماماً في ربطه بين الباصات والنساء. فشوارع لندن تمثّل، كما يبدو، دليلاً دامغاً على علاقة وطيدة بين النساء وبين الباصات الحمر ذات الطبقتين التي تشتهر بها العاصمة البريطانية. و «غرام» النساء بالباصات لا يقتصر على تنقلهن بها... بل يتعداه إلى منافسة الرجال في قيادتها. أهلاً بسائقات الباصات! لم يبدأ مشوار النساء في قيادة الباص بداية سهلة في بريطانيا. فحتى عام 1978 لم تكن شركة النقل العام في لندن (لندن تراسبورت) تسمح للنساء بتولي وظيفة سائقة باص أو قطار. فالنساء لم يُسمح لهن بشغل هذه الوظيفة، حتى في ظلّ العجز الكبير الذي عانت منه شبكة المواصلات خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، عندما التحق معظم الرجال من سائقي الباصات بجبهات القتال. بدأت العلامة الفارقة مع جيل فاينر، التي كانت أول سائقة باص في بريطانيا. كان حلم جيل عندما كانت طفلة (8 سنوات) أن تقود باصاً، وهو الحلم الذي حققته عندما بلغت ال22 سنة. ومن دون أدنى شك فقد لعبت جمعيات «التحرر» النسوية التي نشطت في بريطانيا في نهايات الستينات وبدايات السبعينات من القرن الماضي، دوراً كبيراً في تحقيق حلم جيل، الجمعيات التي نشطت مطالبة بحقوق للنساء «مساوية» للرجال، بما في ذلك حق العمل والمساواة في الراتب، إضافة إلى مطالب أخرى تتعلق ب «الحريات» مثل الحق في الإجهاض والحصول على وسائل منع الحمل. وتحت ضغط تلك الجمعيات أصدرت الحكومة البريطانية عام 1970 «قانون الراتب المتساوي» للرجل والمرأة الذي دخل حيّز التنفيذ بدءاً من عام 1975، وهو العام نفسه الذي صدر فيه «قانون (منع) التمييز الجنسي». فتحت تلك القوانين الباب على مصراعيه أمام المرأة، ليس فقط للحصول على الراتب نفسه والحق نفسه في العمل مثل الرجل، بل أيضاً أمام مجالات واسعة من فرص العمل التي كانت من قبل حكراً على الرجال. أرضية عمل مناسِبة وعلى رغم أن الرجال ما زالوا اليوم يتحكمون بمعظم باصات لندن، إلا أن نسبة النساء اللواتي يشغلن منصب سائق باص تزداد يوماً بعد يوم. وما يُسهّل هذا الأمر ليس فقط قوانين المساواة بين الجنسين، بل أيضاً التطوّر التكنولوجي الذي طرأ على أجهزة التحكم في الباصات. فقد ذهبت إلى غير رجعة الأيام التي كان الباص الذي يزن 10 أطنان ويرتفع 12 متراً يحتاج فيها إلى رجل ملفوف العضلات كي يُحرّك المقود الضخم يميناً أو يساراً. فباصات اليوم باتت كلها مزوّدة بوسائل تسهيل القيادة، وعلى رأسها مقود «الهيدروليك». وفي الواقع، تقول شركات النقل العام العاملة في لندن اليوم، إنها تشجع النساء على التقدم لشغل وظيفة سائقة باص، مشيرة إلى أن طالب الوظيفة بات يحتاج فقط إلى رخصة قيادة سيارة عادية. وتقول، جينيفر ديغبي، مسؤولة قسم شؤون الموظفين في شركة «إريفا»، إحدى أكبر شركات النقل في لندن، إن «قيادة باص يزن 10 أطنان تبدو للوهلة الأولى عملاً شاقاً، لكن معظم الناس يتفاجأون بمدى سهولتها». وتضيف: «قيادة الباص وظيفة مثيرة ونحن نشجع تلقي طلبات عمل من أي شخص يشعر بأن لديه الأهلية للقيادة، وأن يكون حسن التعامل مع الناس ويريد فعلاً أن يتخذ من قيادة الباص وظيفة. وبعكس الرأي السائد عموماً، القيادة الجيدة للباص لا تتعلق بحجم السائق وقوته، ولكن بكفاءته وطريقة تعامله مع الركاب». وتوضح ديغبي: «يأتي سائقونا من خلفيات متعددة. لدينا أمهات عدن إلى العمل، ومديرو مصارف سابقون، لدينا موسيقيون ومحاسبون يبحثون عن وظيفة اجتماعية تسمح لهم بالحركة بدل البقاء في مكتب مثلاً». تمييز وأخطار إنهاء النساء احتكار الرجال مهنةَ قيادة الباصات لم يعنِ بالتأكيد انتهاء «التمييز» تماماً في حقهن. ولا تزال سائقات كثيرات يشعرن ب «ذكورية» محيطهن في العمل كون معظم زملائهن من الرجال، سواء في قيادة الباصات أم في محطات التوقف للاستراحة. كما أن مهنة سائقة باص لا تخلو بدورها من الأخطار، خصوصاً أن قسماً كبيراً من الباصات في لندن يعمل طوال الليل أيضاً، ما يجعل السائقات على احتكاك مباشر مع زبائن قد يكونون ثملين عائدين إلى بيوتهم بعد قضاء ليلتهم في وسط المدينة. وكانت سائقة تعمل على الخط 59، تعرضت العام الماضي لاعتداء عنيف وُصف ب «لا مبرر» – صوّرته كاميرات المراقبة - على يد شاب كان يحاول ركوب الباص من دون أن يدفع قيمة التذكرة. كما أثارت الصحف ضجة حول سائقة أخرى صدمت موظفاً في وزارة الدفاع، وعند محاكمتها تبيّن أنها داست خطأ على دواسة الوقود بدل الفرامل وأن الشركة التي وظّفتها لم تُدرّبها لأكثر من 30 دقيقة على هذا النوع الجديد من الباصات الذي أُدخل للمرة الأولى إلى الخدمة.