أوضح الشاعر الدكتور صالح الشادي أن الليبرالية وغيرها حركات فكرية ومسلكية ذات خصوصية وتاريخ، ناتجة من تراكم ثقافي وسياسي معين وفي بيئة هرمة نوعاً ما، معتبراً أنه من السخف إطلاق مثل هذا التصنيف أو ذاك، «فليس من جذور أو أبعاد أو مهد لها بيننا». وقال في حوار مع «الحياة» مؤتمرات المثقفين للمثقفين فقط. وأضاف أنه بحث عن عمل في الجامعات السعودية قبل أعوام عدة، لكنه لم يجد شاغراً. إلى نص الحوار: بين أدب وشعر وفلسفة وموسيقى، ورسم، وكتابة صحافية، وبحث في عالم الجن، وتحليل سياسي... لماذا هذا التنقل؟ - تلك اهتماماتي كإنسان، أحاول أن أتعلم، وأن أشبع فضولي المعرفي لا أكثر. الهدف في كل الأحوال واحد وهو التعلم ونشر المعرفة. كُرِّمت من اتحاد الكُتاب والأدباء العرب في العاصمة الأردنية عمان بحضور الأمين العام للقدس، على مؤلفك «المنسيون»، ونشاطك في الأدب السياسي، ولكن لم نجد أصداء لهذا التكريم داخلياً... لماذا؟ - هذا شيء طبيعي، فهناك ما هو أهم.. والأمر ليس شأناً داخلياً. أصدرت قبل عامين روايتك الأخيرة «الثقلان»، لكنك لم تفعل كما فعل غيرك، بمعنى أنك لم تُقم حفلة توقيع أو إشهار لتلك الرواية... ما السر يا ترى. وما فحوى تلك الرواية؟ - الرواية تتحدث عن الظاهر والخفي، من خلال مزاوجة الحدث بين عائلتين من الجن وأخرى من الإنس خلال منتصف القرن الماضي.. وهو بمجمله توثيق مختصر لما ورد في سلسلة (سلطة إبليس). أما عن حفلة التوقيع، فهي أمر ثانوي لا يهمني كثيراً. يلاحظ أن بينك وبين الفنان محمد عبده علاقة مميزة وقديمة، إلا أننا لم نعد نسمع بجديد فني بينكما؟ - الصداقة أن يتم التقارب والحب في الله ولله، وهو الرابط الذي يجمعني بأبي نورة.. ولم يكن للفن تأثير في هذه العلاقة مطلقاً. لكن - وبلا شك - يظل محمد عبده أستاذاً في فنه.. كما أنه أستاذ في إنسانيته أيضاً، لكن هذا ليس كل شيء. لماذا لم تشارك في مؤتمر المثقفين السعوديين في الأول والثاني والثالث، ولا سيما أنك صاحب تاريخ ثقافي حافل، ولك قرابة 30 مؤلفاً في مختلف جوانب المعرفة الإنسانية؟ - قرأتُ عن تلك المؤتمرات، وهي مؤتمرات للمثقفين فقط وكما عُنون لها، والمثقفون هم المعنيون بالأمر. أما عن نفسي فلم أُدْعَ، وإنْ دُعيت فسأفكر بالأمر. أقمتَ أمسيةً قبل عامين نُقلت عبر فضائيات عربية عدة، بمشاركة شعراء عرب مثل سميح قاسم وفؤاد حسين وعمر الفرا في ليلة واحدة.. وخرجت بلغة شعرية سياسة ونقدية مغايرة، وبنبرة غاضبة لم تُعهَد منك... لِمَ هذا التوجه؟ - ما يهمني هو إيصال الرسالة. وقد كانت مناسبة الأمسية دعم غزة ونصرتها إبان الهجوم الهمجي الذي تعرضت له من الصهاينة. في تعقيب له على مقولتك بأن الشعر رسالة، ذكر الكاتب محمود صباغ في لقاء له بأن «المذكور» في إشارة إليك، لا علاقة له بالشعر لا من قريب ولا من بعيد؟ - لا أعرف ماهية المذكور، إن كان ناقداً أم شاعراً؟ لكنها وجهة نظر تُحتَرم. مؤلفاتك الأخيرة مثل: «المنسيون»، و«مشكلات عربية»، و«هواجس في سماء الوحدة العربية»، و«الدولة نشأتها وتطورها». كتب ذات توجه سياسي صرف، صادف تاريخ صدورها زمن الربيع العربي... هل في ذلك مصادفة؟ - رب صدفة خير من ألف ميعاد. هل ما زلت تحمل لقب «شاعر الوطن» الذي حملته بعدما كتبتَ أوبريت الجنادرية «كفاح أجيال»، وأوبريت «قبلة الأوطان» في اليوم الوطني السعودي العام الماضي، أم أن غيرك قد حمله؟ - كلنا شعراء للوطن. وكل عبارة ثناء شرّفني بها خادم الحرمين الشريفين كانت ولا تزال وسام فخر لي، أحمله ما حييت. العمل الأكاديمي في جامعات المملكة... أين أنت منه؟ - كنت قد بحثت عن عمل هناك قبل أعوام عدة في بعض الجامعات، لكني لم أجد مكاناً شاغراً. أعتقد بأن هناك اكتفاءً في هذا الجانب.. أو أن الموازنة لم تكن تسمح بالمزيد من الوظائف في ذلك الوقت. ما ملاحظتك على الإعلام السعودي المرئي والمسموع؟ - رائع جداً، لكن ينقصه شيء من التخطيط الاستراتيجي الجيد، والعمل الاحترافي المتخصص. الإداريون وحدهم لا يمكنهم فعل شيء، والإمكانات المادية الضخمة في غياب ذوي الموهبة والمفكرين والمخططين لا تعني التطور والمواكبة مطلقاً. الشعراء الشعبيون يحظون بشعبية جارفة، وعدد منهم نجوم فعلاً، لكن شعراء الفصحى لا يطالَع نتاجهم سوى شريحة محدودة... كيف تقوم هذه العلاقة بين الطرفين؟ - هناك جمهور واسع للنخب. لكنه يعد من الغالبية الصامتة. ومعظم ما يُثار على السطح هو خلاف نظمه وليس شعراء حقيقيين. قبل مدة احتج شعراء شعبيون على الأمين العام لملتقى المثقفين السعوديين، لأنه لا وجود للشعر الشعبي في فعاليات الملتقى، فرد عليهم نصرالله بأن الشعر الشعبي مكانه الجنادرية، فهل أنت مع فعاليات شعبية وأخرى فصيحة، أم أننا إزاء شعر أو لا؟ - نحن أمام وعي أو لا وعي، وليس من شيء آخر. والمفردة الشعبية بكل تفاصيلها هي جذر الثقافة الأول لكل حضارة وثقافة. ونصر الله قارئ جيد ومجتهد، وله رؤاه وذاكرته الشعبية أيضاً. لك كتب عدة بعضها أثار جدلاً ونقاشاً، وربما لا يزال... كيف تختار مواضيع كتبك؟ وهل تفكر في القارئ قبل أن تؤلف؟ - الكتابة حالة، وقلق مِلْح علاجه البوح. عندما أكتب فأنا أعالج نفسي، ثم أسجل وصفة للآخر. كيف ترى المشهد الثقافي والأدبي السعودي؟ وهل تتيح لك إقامتك في الخارج متابعة دقيقة؟ - مؤكد بأنه مشهد مذهل، لكنني لست متابعاً جيداً لتلك الدائرة. يطغى الصراع بين الليبراليين وخصومهم من المحافظين، على كل القضايا في المشهد الثقافيز... في رأيك هل هذه قضايا تستحق أن تثار وأن يفرد لها مساحات كبيرة في الإعلام، أم هناك قضايا أهم بحسب قربها من الناس؟ - يبدو أننا لم نصل إلى تلك المرحلة لنصنّف أنفسنا تحت تلك المسميات.. فالليبرالية وغيرها حركات فكرية ومسلكية ذات خصوصية وتاريخ، ناتجة من تراكم ثقافي وسياسي معين وفي بيئة هرمة نوعاً ما، ليست بيئتنا. ومن السخف إطلاق مثل هذا التصنيف أو ذاك، فليس من جذور أو أبعاد أو مهد لها بيننا. وحتى في الفكر الإسلامي كل من هو مسلم، فهو إسلامي بداهة، ومن الغباء أن تحتكر ذلك التوصيف فئة من دون غيرها، لأن مقابل المفردة إسلامي.. لا إسلامي. في ظل الظروف الحالية جبهتنا الداخلية بحاجة إلى توحد، أما محاولة خلق أنواع من الفرقة فهذا عمل شيطاني. لديك محاولات في إصدار مطبوعات من خلال دار المصدر الدولية اللندنية، التي أسستها قبل أعوام. وأيضاً دخلت في صناعة الإعلام المسموع، حدثنا عن هذه التجربة؟ - ما زالت محاولات، كما تفضلت. ما أقرب الأعمال الفنية إلى قلبك؟ - كثيرة هي الأعمال القريبة من القلب، لكن الأقرب هو ملحمة كفاح أجيال، وهي عمل درامي فني شعري، يصور رؤية خادم الحرمين الشريفين حول مفهوم الحوار بشقيه الوطني والديني، تم تنفيذه عبر كوكبة من نجوم الدراما السعودية والعشرات من المجموعات الشعبية.. لكن التلفزيون لم يعرضه أو يوافق على طرحه، على رغم أنهم من إنتاج وزارة الثقافة والإعلام، ولا تسألني لماذا! هل تعتقد بأن هناك مؤسسات ثقافية وفكرية ما زالت تمارس دورها المجتمعي ببواعث أصيلة؟ - الكثير من المؤسسات تقوم بمثل ذلك الدور، لكني أود أن أشيد بمؤسسة الفكر العربي ومحركها الأمير الحكيم خالد الفيصل. أتوقع بأن مستقبل الوعي العربي سيشهد الكثير من الانبلاجات على يد ذلك الرمز السعودي الأصيل، والأيام ستثبت ذلك.