لم يقرأ من ورق، كما لم يتباطأ في كلمته، بل سريعاً حدد هوية خطابه، مبتدئاً باستشعاره لثقل المسؤولية التي يحملها، فخادم الحرمين الشريفين الملك الوالد القائد عبدالله بن عبدالعزيز ليس خطيباً مفوهاً يجيد حبك الكلمات، يربط القلوب بحبال العبارات الطنانة، ويستميل العقول بحيل المعاني، لأنه لا حاجة له بذلك، يكفيه أن يرخي عنان القلب الأبوي الحاني، المليء بالحب والعقل، المشحوذ بالعطاء كي يلوي الأعناق الشغوفة نحوه، وتصيخ الآذان سمعاً، فحاجته للكلام بقدر حاجة شعبه للاستماع الملهوف إليه، لذلك لا يخرج إلا صادقاً ونقياً، أن يأتيك إنسان باستشعار كامل ويخبرك بما يحس به لهو أمر كبير ومحط تقدير واحترام، فما بالنا نحن والقائد عبدالله بتلقائية يكشف لنا ما يعتمل في قلبه ويستشعره تجاه وطنه ودينه وشعبه، ذاك الذي اتخذه نهجاً واضحاً في حياته. فعلى رغم كلمته القصيرة التي ألقاها يوم الجمعة الماضية أثناء استقباله للمشاركين في اللقاء الوطني التاسع للحوار الفكري، فقد اشتملت على رؤية سياسية ونهج فكري واضحين تسير وفقهما المملكة العربية السعودية في خضم الأحداث التي تعصف بالعالمين العربي والإسلامي، إذ وضع خادم الحرمين الشريفين تصوراً مبدئياً لانطلاقات الدولة ومواقفها الثابتة المؤسسة، وفق رؤية إسلامية واضحة، تنهض على عقيدة لا عوج فيها، تلقنها الشعب السعودي جيداً، وأصبح علامة فارقة بين الشعوب يعرف بها. اللافت في هذه الكلمة المرتجلة الصادقة من القائد إلى شعبه، هو إلقاء تبعات المسؤولية على المواطن الذي يجب أن يكون مشاركاً في بناء الوطن، بأن يقف إلى جانب قيادته في البناء والإنجاز، وهذا التوجه من لدن خادم الحرمين الشريفين يعكس مدى عمق إيمانه بأن الإدارة لم تعد تتجه بطريقة رأسية، محكومة باتجاه سياسي أحادي الرؤية، بل تتجه اليوم، في ظل قيادته الحكيمة، لإشراك الشعب فيها بطريقة أفقية، يتحمل تبعاتها، يتأكد ذلك من قول خادم الحرمين الشريفين «أنا لست مقتنعاً إلى الآن، في رأسي أكثر من الذي صار، وإن شاء الله إنه سيتحقق بجهودكم معي، جهود الشعب السعودي معي؛ لأني أنا بدونكم لا شيء، من دون الشعب السعودي أنا لا شيء، أنا فرد منكم وإليكم، وأستعين بالله ثم بكم، وبالرجال المخلصين من أبناء الشعب السعودي». ليتبع هذه الجملة المعبرة تماماً عن نهجه القيادي الحكيم بأهمية الحوار الذي دشنت فعالياته في مجتمعنا السعودي، عقب توليه سدة الحكم، الذي تخطى ببلدنا إلى مراحل فكرية وسلوكية بعيدة المدى وصفها جيداً، فبعدما كان الخلاف سبيلاً للعنف، أصبح سبيلاً للعقل والجدل، وما بين سطور هذه الكلمة الأبوية الحانية نتلمس بعض الومضات المستقبلية. إذ أشار إلى أن ما يعتمل في رأسه من خطط مستقبلية كثيرة جداً ستعود بالنفع العميم على المواطنين، خصوصاً كما قال «المملكة العربية السعودية، ولله الحمد موقفها عالمياً جيد، اقتصادها ولله الحمد جيد، أمورها كلها ولله الحمد جيدة، وهذا ما أتمناه، ولكن أتمنى أكثر إن شاء الله»، مؤكداً على أهمية مساعدته في بذل الجهد للوصول إلى طموحه المأمول. هذه الكلمة تضاف إلى رصيد كلماته التلقائية المعبرة، التي فاءت على وطننا بنتائج باهرة، حتى باتت كلماته، متى خرج علينا يوماً ما، محط أنظار العالم، ولهفة المواطن الذي يرى الخير يساق بين يديه بعون من الله. * كاتب سعودي. [email protected] @almoziani