نظرت إلى صغار الأغنام وهي «تتشاقى»، تصعد فوق العقم، بينما يتزاحم باقي القطيع إلى داخل الشبك، وقد اقترب المغرب مستجيبين لأصوات يطلقها الراعي، تسمع ثغاءها فتشعر بحلاوة استثمارك، مال في الجيبفثمة أرض شاسعة من حولنا، هذه الأرض السراب، لكن أبطال قصتنا يعرفون ويشعرون بالتهديد في كل لحظة، أن يأتي «مالك ما، بصك ما» ويطردهم من الأرض التي أحيوها، وكان يفترض أن يمتلكوها بورقة ما بعد كل تلك السنوات ولو بحق الانتفاع. لذلك لن يستثمروا كثيراً عليها، غير العقوم، والشبك، وسقيفة النخل، وبيت الشعر، وأكياس الشعير التي تلاحقهم أسعاره المرتفعة بلهيبها الذي لا يخبو. سيأتي هذا المالك المنتظر لهذه الأرض الخلاء التي كانت لا تساوي شيئاً قبل سنوات، وأصبحت تساوى «بعض الشيء» مع اقتراب العمران إليها، فطريق الدمام يبعد بنحو ألف متر من مربط أغنامهم، يكفى أن تقول «رماح» ليسيل لعاب العقاريين ومن خلفهم أو أمامهم.. لا يهم. عندما يأتي لن يملكوا غير جمع «حلالهم» في شاحنة، ومولد الكهرباء، وبيت الشعر، وخزان الماء، وشبكهم، وبعضاً من أخشابهم. بالطبع لن يتركوا أكياس الشعير، سعرها وصل يومها إلى 40 ريالاً، يجمعون ثروتهم هذه، ثم يجلس أحدهم بجوار سائق الشاحنة يلوكه الغضب، ويحرقه الشعور بالظلم والإحباط، فإما أن يرحل إلى أرض جديدة تبعد 50 كيلومتر، يملكها هي الأخرى «مالك ما بصك ما» فينصب فيها خيمته ويبني مربط أغنامه، ويحمل زبونه في سوق الغنم الكلفة في الرأس الواحد، وإذا لم يقبل السوق سيتحمل هو الزيادة ويدعو على من كان السبب. أما إن ضاقت عليه الأرض بما رحبت، يقول عبدالهادي «آخذ غنمي إلى السوق وأبيعها برخيص (ومرة أخرى) أدعو على من كان السبب في خسارتي». تعرضوا بالفعل لتهديد بالترحيل قبل أشهر قليلة، يروي عبدالهادي كيف دخل بضعة رجال إلى «عقمه»، وأبلغوه أن هذه أرض فلان وعليه الرحيل هو وغيره من مربي الغنم «والله ما ردهم غير أبو متعب الله يطول في عمره، كف يدهم وقال لهم خلوا الناس يربون حلالهم»، ويقصد أنه لجأ إلى الملك الذي يحب هو أيضاً الاستجمام في البر في روضة خريم التي لا تبعد كثيراً عن «عقوم» عبدالهادي ورفاقه. لا أعتقد أنه قابل الملك، ولكنه قدم معروضاً وحصل على وعد أن لن يتعرض له أحد، ولكنه لم يحصل على «صك» أو حتى ورقة تسمح له بحق الانتفاع. غابت الشمس وحل برد الصحراء، فلجأنا إلى بيت شعر عبدالهادي، صلينا المغرب واختلفنا في ما إذا نجمع ونصلي العشاء أيضاً، بين قائل إننا لم نعد نرى العمران، وبين قائل «اطلع فوق العقم وسوف تراه»، اكتفينا بالمغرب ثم جلسنا حول موقد ونار وقهوة. «ما الحل؟» سألتهم. أجاب معتز، وهو يرسم على الأرض مربعاً بطرف خيزرانة بيده: «نحتاج إلى أرض كيلو في كيلو، ثم قسم مربعه إلى مربعات أصغر»، الأرض يفترض أنها لا تساوي شيئاً، وبالتالي لن تكلف الدولة شيئاً، هذا المكان مناسب، يمكن أن تخصص بضعة محميات مماثلة على أطراف الرياض أو الدمام، إذ يوجد من يهوى تربية الأغنام، كل كيلو متر مربع يكفي على الأقل لنحو 50 شاباً مستثمراً، بحيث يحصل كل منا على ورقة رسمية من وزارة الزارعة أو أي جهة أخرى لا نتملك بها الأرض، ولكن تعطينا حق الانتفاع بها لغرض تربية الأغنام، ويكون المكان كله تحت إشراف الوزارة، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يتصرف في الأرض في غير ما هي مخصص له».