محمد يعمل في بنك براتب 5 آلاف ريال يقول: «ما ان ينتهي الدوام حتى أمضي إلى هنا، أعشق البر، أتابع الغنم مع شريكي، أطمئن على صحتها، أراقب أوزانها، ونجمع ما نعتقد انه مناسب منها وندفعه إلى السوق»، ويضيف: «أكسب جيداً من هذا العمل، ولو اطمأننت أكثر لجعلته عملي الرئيسي وتركت الوظيفة». معتز هو الآخر يعمل في شركة كبرى، ليس من أبناء القبائل ولم يكن والده راعياً للغنم، ولكنه يعشقها، يمضي نهاية الأسبوع مع أكثر من 500 رأس نعيمي استثمر فيها مع شريكه محسن العنزي أكثر من نصف مليون ريال. يشترونها بالجملة صغاراً، بعضها ولد هناك، هذه تحظى باهتمام خاص منه وشريكه، إذ ثمة علاقة خاصة تميزها عن تلك التي جمعوها من السوق. دورتهم الاقتصادية بسيطة، يرعون الأغنام ويسمنونها، ثم يبيعونها ب«القطاعي» وفق قواعد السوق القديمة والبسيطة «نقداً»، و«القطاعي» في عرفهم يشمل المفرد منها، الذي يباع في سوق الأغنام الرئيسية في حي النظيم بالرياض، أو حتى 30 رأساً دفعة واحدة لبعض مطاعم المشاوي الشهيرة، وتتميز عن غيرها باللحوم المحلية. بينما «الجملة» في السوق تعني تلك الكميات الهائلة التي توفرها شركات المواشي الكبرى، ببنما هم مجرد تجار صغار، ينطبق عليهم تصنيف الاقتصاديين من أصحاب «الشركات المتوسطة والصغيرة»، وهي التي تصنع معظم الوظائف في الاقتصاد المحلي النشط. ولكن لا أحد يعترف بهم. رأس مالهم بضعة مئات من رؤوس الأغنام، حظيرة يسمونها «مربطاً» محاط بشبك، جزء منه مظلل بسعف النخل، وراعٍ في الغالب سوري أو سوداني يقيم في عين المكان، والأهم.. الأرض، ذلك الشيء الذي يشغل كل سعودي، والمكون الأساس لأي عملية «رأسمالية» وهي أيضاً المنطقة الرخوة في مخاطرتهم التجارية، إذ تحرمهم من قروض البنوك وصندوق المئوية، أو أية قروض حكومية أخرى، فلا يبقى لهم غير مدخراتهم أو مستثمر مغامر مثلهم يشاركهم عشق تربية الأغنام. لم يحصلوا على قروض من وزارة الزراعة، بل ليس لهم الحق حتى في الحصول على الأمصال الطبية اللازمة للأغنام، ولكن الوزارة «عطوفة» تعلم بوجودهم، فخصصت لكل مربي غنم «افتراضي» ما يكفي ل200 رأس فقط، ويجري التعامل بين الطرفين على أساس الثقة و«كلام الرجال». كل شهر يتجه معتز إلى فرع الوزارة فيحصل على «الكوتا» يعقبه العنزي، وأحياناً يتطوع أحد الزملاء أو أبناء العم فيدخل بعدهما ويحصل على كوتا ثالثة لكي تكفي «حلالهم»، هنا تتوقف علاقتهم مع الوزارة، فيمضون بعدها إلى مخاطرتهم حيث مرابط أغنامهم شرق الرياض. قبل 8 سنوات سبقهم عبدالهادي إلى أرض خلاء تبعد عن الرياض نحو 40 كيلومتراً، على طريق الدمام، واستصلح أرضاً لتربية الأغنام، والاستصلاح هنا لا يعني أكثر من عمل عقوم تحيط بمساحة بيضاء، وعليها تقام المرابط المتواضعة، إنها منطقة خلاء مثلها مثل ملايين الكيلومترات المربعة في بلادنا، لا ماء، ولا مراعي، أرض جرداء غير مستثمرة يفترض أن تساوي «صفراً» لكنها ليست بالصفر، وبخاصة عندما يرون الإسفلت يقترب منهم، والذي بقدر ما يسهل لهم عملهم بقدر ما يعني أن خبراً سيئاً ينتظرهم.. يوماً ما سيأتيهم من يرحلهم عن «أرضهم» التي ليست أرضهم، وما من سبيل عندهم إلى حيازتها. إنهم الخامة المناسبة لتلقي دعم صندوق المئوية المعني بتمويل مشاريع الشباب، في خيمة الشعر استعرض معتز على جهازه «الجلاكسي» شروط الصندوق، أو بنك التسليف، وغيرها من مؤسسات الإقراض العدة التي نشطت أخيراً، لدعم الشباب وخلق الوظائف، تبدو سهلة ميسرة، لكن لغيرهم، فصندوق المئوية مثلاً يقول إنه «يدعم أي فكرة مشروع تجاري مجدية ومربحة ومتوافقة مع الأنظمة المحلية»، ثم يضيف في إجابة أخرى أنه «يدعم جميع المشاريع المجدية اقتصادياً التي تنطبق عليها الشروط». ولكنهم يفتقرون لأهم شرط؛ المتمثل ب«الأرض»، عنوان المكان الذي عليه المشروع، ليقدموه للصندوق حتى يحصلوا على القرض الذي يحصل عليه غيرهم من الشباب السعودي الطموح. أغنام بالأرقام معدل سعر الخروف النعيمي من 850 - 1200 ريال. أكبر سوق للمواشي المحلية في المملكة في حفر الباطن حيث يتداول نحو 5000 رأس نعيمي يومياً. 50 ألف كيس شعير يومياً تضخها وزارة المالية للسوق السعودية لمربي الماشية.. ولا تكفي. يضحي السعوديون بنحو 12 مليون رأس في عيد الأضحى تصل كلفتها إلى 9 بلايين ريال.. هذا غير الهدي في الحج. يزيد تعداد الماشية التي تُربى تجارياً في المملكة على 7.5 مليون خروف و4.5 مليون ماعز.