استفتى السوريون امس على مشروع الدستور السوري الجديد الذي ينص على «التعددية السياسية»، في مراكز اقتراع وزعت على المحافظات والنقاط الحدودية. وقال الرئيس بشار الأسد بعد إدلائه بصوته إن «الهجمة التي تتعرض لها سورية هجمة إعلامية، لكن الإعلام رغم أهميته لا يتفوق على الواقع. يمكن أن يكونوا أقوى في الفضاء، لكننا أقوى على الأرض من الفضاء ومع ذلك نريد أن نربح الأرض والفضاء». في غضون ذلك، وصف مصدر رسمي سوري اجتماع تونس الأخير بأنه «مؤتمر أعداء سورية»، داعياً قوى المعارضة التي لم تشارك في هذا المؤتمر إلى «الانخراط في أسرع وقت ممكن في الحوار الوطني لتكون شريكة في بناء مستقبل سورية المتجددة». وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بأن الرئيس الأسد وعقيلته السيدة أسماء صوتا على مشروع الدستور في مركز اقتراع في مبنى «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون» وسط دمشق. وقال الأسد بعد إدلائه بصوته إن الإعلام السوري «يقوم بجهود كبيرة جداً، ونحن نتابع التطور الذي قام به التلفزيون العربي السوري والإعلام السوري في شكل عام، لكن دائماً تأتي مقارنات. حيث يقارنون الإعلام السوري الذي هو الإعلام الرسمي في شكل أساسي بالإعلام غير الرسمي في الدول الأخرى، لكن هذه المقارنة غير دقيقة وغير موضوعية ولا تجوز». وأضاف أن «الإعلام الرسمي يقارن بإعلام رسمي في دول أخرى لأن أهداف ومهمات الإعلام الرسمي تختلف عن أهداف ومهمات الإعلام الخاص. ولو قارنا الإعلام الرسمي السوري الآن بالإعلام الرسمي في المنطقة، فأعتقد أنه الأفضل. لكن مع ذلك لا يهمنا أن نقارن أنفسنا بمن هو أقل وسبقى نقارن أنفسنا بمن هو أفضل». وبث التلفزيون تغطية حية للاستفتاء في المحافظات السورية تضمنت مقابلات مع مواطنين في مراكز الاقتراع وتحليلاً من قبل أعضاء في لجنة صاغت المسودة، إزاء مواد المشروع البالغة 157 مادة. ولم يتضمن مشروع الدستور المادة الثامنة التي نصت في الدستور الحالي العائد للعام 1973 على أن «البعث» هو القائد للمجتمع والدولة. ونصت المادة الثامنة في المشروع الجديد على «التعددية السياسية» بموجب قانون الأحزاب الجديد الذي سمح بترخيص أحزاب جديدة وأعطى مهلة للأحزاب المنضوية في «الجبهة الوطنية التقدمية» لتسوية وضعها وفق القانون الجديد. كما تضمن المشروع تحديد ولاية رئيس الجمهورية بسبع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. وقالت مصادر حزبية ل»الحياة» إن مشروع الإصلاح يتضمن انعقاد المؤتمر القطري الحادي عشر لحزب «البعث» الحاكم في منتصف الشهر المقبل، وإجراء انتخابات لمجلس الشعب (البرلمان) في مرحلة لاحقة، اضافة إلى تشكيل حكومة جديدة. وكانت وزارة الداخلية خصصت اكثر 14 ألف مركز انتخابي، وأعلنت أن عدد الذين يحق لهم الاقتراع يبلغ 14.6 مليون سوري من إجمالي عدد السوريين البالغ نحو 23 مليوناً. كما وزعت بطاقات الاستفتاء، وتتضمن الإجابة ب»نعم» أو «لا» على مشروع الدستور. وبدأ السوريون بالتوجه إلى المراكز الانتخابية في الساعة السابعة صباحاً. وكان مقرراً أن ينتهي مساء امس. وقال وزير الداخلية اللواء محمد الشعار أن عملية الاستفتاء سارت «في شكل طبيعي في معظم المحافظات، وأن المراكز تشهد إقبالاً كبيراً من المواطنين باستثناء بعض المناطق». واعتبر رئيس الوزراء عادل سفر أن الاستفتاء «نقلة نوعية» في حياة البلاد، لافتاً بعد إدلائه بصوته إلى انه يمثل تحدياً أمام الأحزاب السياسية المؤسسة حديثاً ل»الممارسة الديموقراطية في شكلها الحقيقي». وأضاف سفر أن مشروع الدستور «استجاب تطلعات الجماهير وحاجات المجتمع في التعليم والصحة وضمان الملكية الخاصة وضمان الحريات واستقلالية القضاء وضمان حقوق المواطنين». ونقل عن وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم قوله بعد إدلائه بصوته في مبنى الوزارة أن مشروع الدستورسينقل سورية إلى «مرحلة جديدة»، مشيراً إلى أن «هذا يوم تاريخي في حياة الشعب السوري الذي يراهن على صموده وتماسكه». ورأى أن الشعب السوري استحق هذا الدستور الذي ينقل سورية من خلاله إلى مرحلة التعددية السياسية والديموقراطية. واعتبر الإقبال من قبل المواطنين مؤشر على وعي تام بمصالح الشعب السوري وأهدافه. وأفادت «سانا» بأن عدداً من المواطنين اعتبروا مشاركتهم «تعبيراً عن دعمهم برنامج الإصلاح الشامل، مؤكدين أنه يؤسس لمستقبل جديد لسورية من خلال التعددية السياسية وتحقيقه للعدالة الاجتماعية وسيادة القانون واحترام الحقوق وصيانة الحريات العامة وتكافؤ الفرص ومجانية التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية». وقال عبد المجيد محمد:»إن استفتاءنا ب»نعم»على مشروع الدستور الجديد يعني متابعة مسيرة الإصلاح الشامل وبناء سورية الديموقراطية والوقوف في وجه ما يحاك ضدها من مؤامرات خارجية تستهدف دورها الوطني والقومي»، فيما قال فاروق حسين أنه «رد على كل المشككين في عملية الإصلاح والذين رهنوا أنفسهم للخارج ولجهات تريد الشر بوطننا مشيراً إلى أن سورية ستبقى بوعي شعبها وإرادته وقوة انتمائه القلعة الحصينة في وجه جميع الأعداء والحاقدين». وبالتزامن مع الاستفتاء، قالت الوكالة الرسمية إن «حشوداً كبيرة من المواطنين توافدت إلى ساحة السبع بحرات في دمشق دعماً لمسيرة الإصلاحات الشاملة والاستفتاء على مشروع الدستور». إلى ذلك، نقلت «سانا» عن مصدر رسمي باسم الجمهورية العربية السورية إشارته إلى «تصاعد عمليات القتل والتدمير والتضليل والتآمر بالتوازي مع عملية الإصلاح التي تجلى الكثير منها حقائق على أرض الواقع، بما في ذلك إصدار مشروع الدستور الجديد الذي يضمن الحريات العامة والديموقراطية كمبدأ أساسي لقيادة سورية المستقبل». وكان المصدر اعرب عن رفض و»إدانة كل ما قيل وصدر عن اجتماع أعداء سورية في تونس». وأضاف :»جاء هذا الاجتماع نتيجة فشل كل ما تم التخطيط له من تآمر على سورية وشعبها سواء من خلال الاجتماعات الوزارية في إطار الجامعة العربية أو في المحافل الدولية. وتشجب سورية الأصوات الداعية إلى تمويل الجماعات المسلحة الأمر الذي نعتبره دعماً للإرهاب وإضراراً مباشراً بمصالح الشعب السوري الساعي لتحقيق الأمن والاستقرار». كما اعتبر المصدر «كل ما صدر عن هذا الاجتماع تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية». وكان عدد من قوى المعارضة السورية رفض تلبية دعوة للمشاركة في اجتماع تونس. ودعا المصدر الرسمي «فصائل المعارضة الوطنية التي رفضت الاشتراك في مؤتمر أعداء سورية للانخراط في أسرع وقت ممكن في الحوار الوطني لتكون شريكة في بناء مستقبل سورية المتجددة». وبعدما أشار المصدر إلى أن «من يمارس العنف في سورية هي المجموعات المسلحة والمدعومة من بعض الدول العربية والدول الغربية، ولا يمكن لحكومة الجمهورية العربية السورية إلا ضمان أمن شعبها وحماية ممتلكات السوريين من التدمير»، دعا وفق بيان «سانا» الصادر مساء أول امس «كل من يحمل السلاح في مواجهة المدنيين الأبرياء ويقتحمون المدارس لتعطيل الدراسة أن يعودوا إلى رشدهم وأن يتوقفوا عن تدمير بلادهم لأن المستفيد الوحيد من ذلك هو أعداء سورية وأعداء الأمة العربية». في غضون ذلك، نقلت الوكالة الرسمية عن نائبة الرئيس نجاح العطار قولها في لقاء مع وفد هندي إن «سورية تتعرض اليوم لمؤامرة كبرى حيكت فصولها في واشنطن وعواصم غربية ويجري تنفيذها بأدوات إقليمية وعناصر إرهابية تهدف إلى ضرب بنية الدولة السورية وتطويق دورها وجعلها دولة تابعة في مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف إلى إحكام سيطرة إسرائيل على المنطقة العربية». واعتبرت الاستفتاء على مشروع الدستور «خطوة بارزة في حياة سورية السياسية». كما دعت «بعض دول الجوار ولاسيما تركيا التي تحولت إلى رأس حربة في المشروع الأميركي الغربي ضد سورية إلى احترام حقوق الجوار والجغرافيا والتاريخ والامتناع عن الانخراط في مخططات تهدف إلى زعزعة استقرار دول المنطقة».