الاثنين 21/2/2012: الخليجي بيننا رحيل الشاعر الإماراتي أحمد راشد ثاني، ينبهنا الى آفاق للحضور الخليجي لم يكتب عنها بعد. بلاد يجتمع فيها منتهى الحداثة مع منتهى التقليد، في زمن محدد ولدى بشر بعينهم. كيف يعيش إماراتي (أو إماراتية) في دبي، وماذا يفعل في 24 ساعة، في أسبوع، في شهر؟ يكفي سرد الوقائع الصغيرة لنعرف توجهات مجتمعات نرتضيها أو نجبر على اعتماد تقاليدها. وإذا كان الخليج شكل ويشكل دعماً لعيش أفراد وجماعات ودول، فتأثيره يتعدى التحويلات المالية والإنعاش الاقتصادي. خليج يعلمنا العولمة على طريقته، ويطرح مأزقنا الاجتماعي بإعلان مأزقه واهتمام نخبه الصادق بالبحث عن حلول. ساهم أحمد راشد ثاني في الحل بحفظ التراث الشفوي لبلاده، لكنه أكد على حصانة الشاعر ليطلق قصيدته بلا حدود: «نعدّ أحجاراً ملساء لابتكار مستحيل ملوّن. يغريني بك حافياً على البحر راعياً للغنم، جمجمة يتكاثر فيها الوميض. أدحرجك في دهاليز روحي ولا تنام. أيّ فتى أنت، من أي ظلام قذفتك أمك الى فراغ العالم؟(...) غيرك غيمة وغيري سراب». الثلثاء 22/2/2012: ضربات أجنحة الحرب في سورية حقيقية وحربنا في لبنان ممكنة (موجودة بالقوة بحسب أرسطو)، والحب في الحرب حياة تتألق حين نودعها، كأن العاشقين وحدهما في العالم الليلي، شمعة تذوب، تتوهج حين تذوب: هي: سورية القريبة تشتعل. كنت زرتها قبل سنوات وقابلت موسيقيين أوروبيين اندمجوا في بيئة حلب، وطلاباً في دمشق أتوا من بريطانيا والولايات المتحدة يتعلمون العربية الكلاسيكية والعامية السورية، ولاحظت في ذلك البلد ملامح بيزنطية لا تبدو لدى النظرة الأولى. مددت إقامتي في بيروت، من أجله، وبالكاد نمت الليلة الماضية، تركت النوافذ مفتوحة على البرد والكسل وغطيت جسدي جيداً. عيشة الأسكيمو في ربيع المتوسط. استيقظت غير منتعشة. لماذا هو من بين الناس الذين أراهم يومياً، يوقظ شيئاً ما بعيداً عن الجنس وشيئاً آخر يلامس الجنس الى ما بعده. حنان بلا حدود وشوق متبادل يجعلانني أكثر لطفاً وحباً. اليوم كثير من القراءة وقليل من الاستيعاب، وهو يأتي الى القاعة ويغادرها، لا أعرف كيف يتابع أبحاثه. أظنه رحل هذه المرة، ولكن، ها هو يعود فجأة ونغادر معاً، هكذا ومن دون اتفاق مسبق. بعد الظهر المتأخر، ضربات أجنحة فراشة حارة تحوم حول قلبي، ضباب من الغرابة والمراوغة يحيط بي - هالتك. هو: لا أتحمل حرباً جديدة تخوضها أجيال فتية في لبنان، بلد النسيان ومحو الذاكرة، فأمثالي هاجروا أو ارتضوا الاستسلام في هامش غير آمن. ويقلقني ما يحدث في سورية، الجارة التي تؤذينا في قوتها وفي ضعفها، في إحساسها الإمبراطوري وفي هلعها من الضعف والتفكك. وأنتِ كأنما أتيت من بلادك البعيدة، من لغتك المختلفة، عزاء لي ونجاة من الجنون. وكيف أبدو قوياً، أنا المتهافت، حين أراك تنطوين على عمق موجع، ولفرط ما تنحنين ترقين، تصيرين أقرب من جسدي. جالسة على الكرسي، وشعرك القصير يغطي ياقة السترة البنفسجية، هناك في المكتبة كلامنا خارج ايقاع المكان، خارج لغتينا، لا أدري ما هي التعويذة التي تحرسني، أنت التعويذة تشفي جرحينا الغائرين. في فضاء الغرفة غيرك في فضاء المكتبة. هنا امرأة ورجل، في هوية الحب العالمية، الحسية التي يجهلها الايديولوجيون المتحاربون. في الغرفة تخرس لغة ورثناها وينطق جسد يؤكدنا. في المكتبة اللغة العمومية، نعبر اليها بالتلعثم، لا نتقنها جيداً لئلا نتعمم، نحاول الحفاظ على بعض خصوصية، تتحقق في غرفة الخفقان. الأربعاء 23/2/2012: تكفي لمسة اليد هي: أتذكر جيداً، سبتيموس سفيروس، الإمبراطور الروماني من حمص، هل ولد في حي بابا عمرو قبل أن يحمل هذا الاسم؟ هل كان في دائرة الحصار، أم رجل أمن ينفذ الأوامر ويتألم؟ وعد بالحضور اليوم لكنه لم يصل في الوقت المحدد، انتظرت ولم يصل. داخلني القلق كأنني في مكتبة بيروت لأنتظره لا لأتابع أبحاثي. شعرت بالخديعة وأخافني الشعور. كيف تتكون عواطف مناقضة لعواطف الأمس؟ قال انه نام حتى الحادية عشرة وكان لديه موعد طارئ فأجّل لقاءنا. يعاملني مثل عشيقة قديمة، كيف يكون الحب هشاً وعابراً الى هذه الدرجة، انها الشكوك تطلع من غور الروح، من صدمات قديمة. تأكدت من حضوره. تكفي لمسة اليد وتذكّر ما كان. جلسنا الى طاولة واحدة. كتبنا برنامج بحث مشترك يستغرق شهراً، حجة لأبقى في بيروت اقنعتني على رغم خفتها، فالبحث يمكن تنفيذه في أي مكان لأن مراجعه في الانترنت. هو: نزعة التملك تفضي الى الاستهتار. العواطف هنا تتشيأ مثل أموال ننفقها ثم نكسب غيرها. أذهب بهذا الذي يشبه الحب الى الحالة العابرة، ربما لأحصن نفسي من الفقدان، ربما لأكسب ثقة فقدتها بضربات قديمة وحديثة. كيف تنبت القسوة في منتهى الحنان. كيف تتحول شريكة الجسد جارية. أي رجل مثلي يذهب الى تحطيم مصباح القلب وتهديم نهضة الجسد. نزعة انتحارية، ربما، في بلاد الحروب المستعادة بلا منطق، الشباب الذاهب الى الشيخوخة من دون علامات. لكنني أتغير حين التقيها، أستعيد براءة فقدتها، وصدقاً علمني قلّة الكلام. أمامنا شهر آخر. أتمرن على اللحظة وأغمض عن النهايات. الخميس 24/2/2012: مثل وليد جنبلاط هي: كيف أستطيع التحمل بعد كل ما بيننا؟ أشعر بالعجز عن الاستمرار. انه الجنون. كيف لا نرى النهايات على رغم نضوجنا؟ هذا يقتل الأشياء الحبيبة يا حبيبي، أو يهددها بالقتل، وهو ما يحصل. هل أعود الى بلادي من دون وشم؟ هو: نمارس الحب مثلما يمارس وليد جنبلاط السياسة. عند الحافة. الحرية كاملة. الكلام في منتهى حقيقيته. الحب في جسديته مثلما يأكل الجائع، مثلما يعزف موسيقي وحيد. ما يحدث أعجز عن كتابته، لماذا أكتب هذا الذي يحدث؟