من تداعيات توغل تنظيم «داعش» في العراق وسورية، تلوح فرص لتسريع وتيرة التقارب الأميركي الإيراني، إذ أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن الرئيس باراك أوباما يدرس الخيارات كافة في التعاطي مع الأزمة العراقية بما فيها إمكانية التنسيق مع طهران. ومتنوعة هي العوامل المحفزة لتسريع ذلك التقارب الأميركي بالتزامن مع تنامي خطر تنظيم «داعش» ومن أبرزها: - فشل سياسة العقوبات ضد إيران، فقد أفضي إخفاق العقوبات، التي توصف بأنها الأقسى والأشمل عالميا، في إجبار النظام الإيراني على الانصياع للإرادة الدولية، إلى حض واشنطن على تبني المسار الآخر المتمثل في الحوار والتفاهم. - حزمة المكاسب التي تتطلع واشنطن إلى جنيها جراء التقارب مع إيران، من أبرزها الاستفادة من الفرص الاستثمارية المحتملة في السوق الإيرانية الواعدة بعد إنهاء العقوبات، وتوظيف نفوذ طهران الإقليمي المتعاظم وقوتها النووية المحتملة، المروضة أميركيا، لخدمة المشاريع الأميركية المستقبلية في المنطقة، علاوة على ابتزاز الدول العربية اقتصادياً واستراتيجياً، إضافة إلى الحصول على دعم إيران في الملفات الإقليمية العالقة والعصية كالمسألة السورية وقضية السلام وملفات العراقولبنان، فضلاً عن أمن الطاقة ومشاريع استراتيجية أميركية في آسيا الوسطى والقوقاز. - التآكل التدريجي للعزلة الدولية المفروضة على طهران مع انتخاب الزعيم المعتدل حسن روحاني رئيساً لإيران، ثم توقيع الاتفاق النووي المرحلي بين إيران والغرب في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وصولاً إلى تعاظم خطر «داعش» في العراق، حيث بدأ عدد من القوى الدولية والأطراف الإقليمية يتواصل مع إيران أخيراً. - نزوع واشنطن لاستثمار تنامي الخطر النووي الإيراني عبر تكثيف طهران مساعيها لامتلاك السلاح النووي، وذلك من خلال استنزاف موارد دول الخليج العربية وتعزيز التموضع الإستراتيجي الأميركي في تلك المنطقة المهمة والغنية بالنفط في إطار مبادرة أميركية لنشر مظلة أمنية دفاعية لمواجهة احتمال امتلاك طهران للسلاح النووي، وهو ما اعتبرته مصادر رسمية إسرائيلية استعداداً من إدارة أوباما لتقبل إيران نووية. - تنامي الحديث عن احتمالات القيام بعمل عسكري أميركي أو دولي لتقويض تغلغل تنظيم «داعش» في العراق، فلما كان أي تحرك من هذا القبيل يتطلب تنسيقاً مع إيران لاعتبارات لوجستية وجيواستراتيجية، فقد تعززت احتمالات التفاهم الإيراني الأميركي بهذا الخصوص. ولا يدخر الرئيس الأميركي وسعاً في العمل للحيلولة دون فرض مزيد من العقوبات على إيران بل وتخفيف بعضها وسط عدم ممانعة إسرائيلية، بعدما توصلت إسرائيل وواشنطن إلى تفاهم يلزم الأخيرة بتنسيق المواقف مع الأولى بصورة متواصلة في ما يتعلق بالمفاوضات النووية الإيرانية، وتأكيد مجموعة 5+1 أنه لن يتم إبرام اتفاق نهائي بغير تنازلات إيرانية ملموسة. ويفصح تاريخ العلاقات الأميركية الإيرانية عن براغماتية تخولهما إبرام صفقات ناجزة وبلوغ تفاهمات مهمة في أحلك الظروف، فلكم حفل ذلك التاريخ بأمثلة شتى في هذا الشأن، كإبرام الجانبين صفقة مهمة أميط اللثام عنها في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 1986 وعرفت إعلاميا بفضيحة «إيران غيت» أو «إيران كونترا»، حيث كشف النقاب عن قيام مبعوث للرئيس الأميركي وقتئذ رونالد ريغان بزيارات عدة لطهران، أبرم على إثرها اتفاقاً مع نظامها يقضي بتسليمها شحنة أسلحة أميركية متقدمة منها صواريخ «تاو» بمشاركة إسرائيلية، مقابل تدخل إيراني للإفراج عن رهائن أميركيين احتجزهم شيعة في لبنان، وتحويل ثمن الصفقة إلى حساب خاص في بنك سويسري، ومنه إلى ثوار «الكونترا» الموالين لواشنطن والمناهضين لحكومة نيكاراغوا. وبمجئ إدارة أوباما، تواصلت الإشارات التفاهمية بين طهرانوواشنطن عبر اتصالات قام بها أميركيون من أصول إيرانية. وخلال مؤتمر عالمي للغاز استضافته العاصمة البلغارية صوفيا في نيسان (أبريل) 2011، وافقت واشنطن بعد معارضة طويلة ومرهونة بتسوية الأزمة النووية الإيرانية، على ضخ إيران غازاً في خط «نابوكو»، الهادف إلى تقليص اعتماد أوروبا على روسيا في تأمين احتياجاتها من الغاز. وشكلت الحرب الأميركية ضد ما يسمي بالإرهاب في أفغانستان وباكستان عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، فرصة لتقريب وجهات النظر بين واشنطنوطهران، في ظل المساعي الأميركية لإيجاد حلول إقليمية لمشكلة طالبان بعيداً من أي تدخل عسكري أميركي مباشر. لم يكن قبول واشنطن التفاوض المباشر مع إيران حول ملفها النووي وليد اليوم وإنما جاء تتويجاً لسلسلة من الاتصالات السرية بين الجانبين تضمنت تفاوضاً في شأن سبل التعاون المشترك بملفات إقليمية شتى. غير أن إصرار الرئيس الإيراني على رهن تعاونه مع واشنطن في العراق بتحقيق «تقدم» في المفاوضات النووية، إنما يهدد بتفخيخ وتعطيل مساعي التقارب الأميركي الإيراني، كونه سيقابل باستياء ورفض واضحين على المستويين الإقليمي والدولي، ما ينذر بنسف دواعي تقبل المجتمع الدولي لأي انفتاح على الجمهورية الإسلامية حالياً، خصوصاً إذا ما كان «التقدم» الذي تتوخاه إيران غير متناغم وتطلعات تلك الأطراف الإقليمية والدولية مجتمعة في شأن تسوية الأزمة النووية الإيرانية. * كاتب مصري