في الشهرين الماضيين، تعددت وجهات النظر إزاء اتفاق جنيف الذي دخل مرحلة التنفيذ، وكثرت التفسيرات السياسية حول أهميته. لذا، تتناول المقالة هذه حال الأمور في إيران والمنطقة لو أن هذا الاتفاق لم يبرم. فعدم التوصل إليه كان ليكون ذريعة المتشددين في الكونغرس الأميركي لفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية علي طهران. ويحبط الاتفاق إلي حد بعيد هذه المساعي التي تستجيب ضغوط اللوبي الصهيوني. وتخشى واشنطن انفراط عقد التحالف الهش الذي يسود مجموعة خمسة زائد واحد، إذا هي فرضت عقوبات جديدة علي الجمهورية الإسلامية، على رغم تنفيذها التزاماتها. فالدول الأوروبية وروسيا والصين لن تحذو حذو أميركا إذا شددت العقوبات. لذا، تكرر الإدارة الأميركية أنها لن تفرض عقوبات جديدة علي إيران. ولا ريب في أن استمرار العقوبات يفاقم ضعف الاقتصاد الإيراني. وعلي رغم أن تشديدها لن يقوِّض البرنامج النووي، وأنها لم تكن وراء مشاركة طهران في المفاوضات، لا شك في أن هذه العقوبات أثّرت سلباً في الاقتصاد الإيراني. وأدت المواجهة الاقتصادية مع الدول الغربية إلى إخفاق مساعٍ إيرانية لم تخدم مصالح طهران ومكانتها ودورها السياسي - الاقتصادي في المنطقة. وتقوّض العقوبات مصالح إيران في بعض المجالات، ومنها صادرات النفط، فتخسر فرص بيع نفطها أمام منافسين مستفيدين من مقاطعة النفط الإيراني. استمرار المقاطعة يساهم في زيادة قدرة القوى الإقليمية في ميدان المنافسة السياسية – الأمنية، فيتعزز دورها علي حساب الدور الإيراني وعلاقات إيران الخارجية. وفي الظروف المثلى، تسعى دول مثل تركيا إلى الحفاظ علي توازن القوي في المنطقة، فهذا التوازن يخدم مصالحها. وينظر غيرها من دول المنطقة بعين القلق إلى دور إيران المؤثر في القضايا الإقليمية. ويُضعف اتفاق جنيف النووي وتقرُّب إيران من الدول الغربية، دورَ هذه الدول ويرجّحان كفة طهران وحلفائها في العراق وسورية ولبنان. وفي المرحلة المقبلة، ستؤدي إيران دوراً ديبلوماسياً فعالاً وتساهم في حل الأزمات الإقليمية، والدور هذا سيزرع الانقسام لدى الائتلاف المنافس. وتستفيد دول مثل روسيا والصين من العقوبات المفروضة علي إيران ولا تنظر بعين الرضا إلى رفع العقوبات عنها. والتقارب الإيراني- الغربي هو من المترتبات الإيجابية لاتفاق جنيف، ويخلف أثره في المنافسة بين روسيا والصين من جهة، والدول الغربية من جهة أخري. وتضطر هذه الدول إلى تغيير سياساتها إزاء طهران، ويترتب على مثل هذا التقارب رفع الحظر عن عدد من الأرصدة المالية للشركات الروسية في البنوك الغربية، وانعتاق بكين من الضغوط لدى شرائها النفط الإيراني. وكان عدم التوصل إلى اتفاق مع الدول الغربية يعزز ظاهرة الإرهاب في المنطقة ويدعم الحركات المتطرفة، ويفاقم غياب الثقة بين إيران والدول الغربية في حل الملفات الإقليمية، فتكر فصول الأزمات، ومنها الأزمة السورية. وفي غياب الاتفاق يحمل ضعف التعاون الإقليمي على النفخ في التطرف الموجه ضد إيران ومصالحها الأمنية. فعلى سبيل المثل، اتسعت رقعة عمل المنظمات المتطرفة فبلغت محافظة الأنبار العراقية. إن الافتقار إلى اتفاق نووي يزيد احتمالات الحرب في المنطقة ويحفز التيارات المتشددة في مراكز القرار الأميركي لشن حرب على إيران. وعلي رغم استعداد الإيرانيين للتضحية ومواجهة أي اعتداء، إلا أن الحرب ستخلف آثارها الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية على المواطنين طوال عقود. وتجنب الحرب هو من أبرز واجبات الحكومات. ولا شك في أن اتفاق جنيف غيّر المعادلات السياسية والأمنية في المنطقة، وأقنعت طهران الغرب بحقوقها المشروعة. وهذا التغيير خطوة أولى نحو اتفاق شامل وكامل، يصب في مصلحة الشعب الإيراني ويساهم في تنمية اقتصاد إيران وتعزيز مكانتها الدولية. * محلل، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط، عن موقع «ديبلوماسي إيراني» الايراني، 20/1/2014، إعداد محمد صالح صدقيان