حال الخلاف على عدم شمول مشروع القانون المخصص لاعتماد ال8900 بليون ليرة لبنانية للحكومة الذي تطلب من المجلس النيابي الموافقة عليه لتغطية الإنفاق لغاية 31 - 12 - 2011 ال11 بليون دولار التي صرفت في الحكومات السابقة، دون استكمال جدول أعمال الجلسة التشريعية للبرلمان أمس فطارت بعد انسحاب عدد من نواب «14 آذار» وخصوصاً نواب كتلة «المستقبل» يتقدمهم رئيسها فؤاد السنيورة واعتراضهم بشدة على هذا الأمر، في حين بقي النواب بطرس حرب ومروان حمادة وسامي الجميل وجورج عدوان بسبب طلبهم الكلام. ما دفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري إثر ذلك إلى إرجاء الجلسة إلى الخامس من آذار (مارس) المقبل «نزولاً عند رغبة النواب. اقترح رئيس البرلمان اللبناني تشكيل لجنة من كل الكتل النيابية لدرس مشروع تغطية الانفاق ووضع حلول قانونية، فرفض السنيورة «اجتزاء الأمر واعتماد الصيف والشتاء على سطح واحد وكأننا نتهم هنا ولا نتهم هناك»، وقال: «لماذا التمييز. كفانا خلافات بلا طعمة والنار تحرق حولنا كل شيء، نحن أمام فرصة لوضع المرحلة وراءنا وأن لا نبقى مكبلين إلى الماضي وإذا فرّطنا في هذا الأمر فليتحمل كل منا مسؤوليته». ولم يوافق على الاقتراح. وهنا وقف بري وتوجه إلى السنيورة بالقول في موضوع ال11 بليون دولار: «لنعترف بأن شيئاً حصل خارج إرادتنا وهو استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وقلت وقتها إنه حدث زلزال وأدى إلى خلل في عمل المؤسسات وهناك حكومة اعتبرناها غير شرعية، والمجلس النيابي قلتم إنه أقفل بغير حق، وقلتم إنكم ترسلون موازنات وكنا نقول إن الحكومة بتراء. وبعد أن كان المبلغ 11 بليون دولار أصبح اليوم حسب قولك 22 بليون دولار. إذا أردنا أن نبقى كذلك فلا نعد موازنات أو نعدها ولا تنشر، لقد جمعت الأرقام 11 أنت أشطر مني بالحساب خصوصاً بالطرح وأنا أشطر بالجمع». وأضاف بري: «نسأل إلى متى سنبقى هكذا، يقولون في الخارج إنها صفقات وهي ليست كذلك وما يحصل في العالم العربي لم يحصل في تاريخه، وقد ناشدتك يا دولة الرئيس تشكيل لجنة من الوزارات والكتل النيابية تضع حلولاً قانونية. وتسألني لماذا ميزت الآن، لأنه أتاني مشروع قانون من الحكومة وما لا يدرك جله لا يدرك كله ما تقترحه هذه اللجنة فسأدعمه». وزاد: «أنا بالأمس، في حضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ناشدتك السير بهذا الموضوع»، ورد السنيورة قائلاً: «هذا المشروع يسبب تجزئة في موضوع الموازنة ولا نستطيع السير به وهو يسبب خطأ فادحاً في قوانين الموازنة ولا نقبل به». وعقّب بري: «الحكومة كانت غير شرعية ولم تكن هناك موازنات ووصلنا إلى ما وصلنا إليه وهناك مبرر لهذا المشروع». وسأل: «هل نوقف البلد كله من أجل معرفة ما سيحصل في المنطقة؟ أنا لم أميز. المشروع جاء من الحكومة وأحلته إلى لجنة المال، وإذا حصل كما اقترحت عليك فتحل الأمور وهذا هو الطريق المستقيم، وتأجل الأمر وقلته لك سأؤجل الموضوع إلى اليوم لأتفق معك وما زلت على اقتراحي وهذه يدي ممدودة لك وللمجلس». وهنا أكد السنيورة أهمية احتضان المشكلة وإيجاد حل كامل لها، مقترحاً تأجيل البت بالموضوع أسبوعين لنصل إلى حل. جنبلاط وإقفال الموضوع بالسياسة ودعا رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط إلى إعطاء مهلة زمنية للجنة وطالب بإقفال هذا الموضوع بالسياسة وبته بأسرع وقت. وقال: «آنذاك كنا في الفريق الآخر وانتقلنا إلى هذا الفريق من أجل الضرورات الوطنية ونعرف أن في هذا الفريق خلافاً عميقاً حول الشأن السوري ونرى أهمية هذا الملف، لذلك علينا إقفال الموضوع وبته». وأبدى النائب مروان حمادة قناعته «بوجهة نظر بري ومرافعة السنيورة ووطنية جنبلاط». وقال: «رأيتم من ترك القاعة ومن بقي، وهذا يشير إلى الانقسام العمودي في البلد. علينا ألا نلعب بالوحدة الوطنية. الذين خرجوا من الجلسة يمثلون شريحة وطنية كبيرة وكذلك الذين بقوا داخل القاعة وأعتقد أن الجميع يريد حلاً شاملاً وعلينا عدم اعتماد سياسة المعيارين في إقرار قوننة السلفات للحكومات». ودعا إلى «الاتفاق على هذا الموضوع في الأسبوعين المقبلين لإقراره والانتهاء منه، ليصار بعدها لإعداد موازنة عامة ليتم الصرف على أساسها». وقال حرب: «نحن أمام حل، إما أن يمر كل شيء على الرقابة وإما يحاسب كل مختلس، من هنا فلننته من الماضي ونترك المحاسبة عالقة وما من شيء يمنع أنه خلال 15 يوماً برعاية دولتك تبحث هذه اللجنة الموضوع وتعود إلى السقف السليم في موضوع الموازنات، وأتمنى أن نؤلف لجنة لدرس هذا المشروع وإلا نأسف لعدم السير به في ظل بقاء التهم وتصنيف الناس قديسين وزعران». ولفت النائب علي فياض (حزب الله) إلى أنه «في زمن العواصف التي تشهدها المنطقة نأمل بأن نخرج من هذا الوضع، فلا إنفاق من دون إجازة من المجلس النيابي وذلك بهدف قوننة الموضوع، وليس خطأ أن تعتمد القاعدة الاثني عشرية وهذا ما دفع الحكومة إلى مثل هذا المشروع لتغطية الإنفاق عندما يتعذر إصدار موازنة طبيعية، ولا يجوز ربط هذا الموضوع بأي موضوع آخر، علماً أن هذا المشروع أضيفت إليه بنود تفصيلية وجداول وجاء ذلك بطلب من زملائنا في المعارضة، فهم مارسوا حقهم بالاطلاع على التفاصيل، وما نحن في صدده الآن هو مشروع قانون معجل بفتح اعتماد إضافي وفقاً للقوانين المرعية الإجراء ونحن أمام حالتين إما أن تعتمد صيغة قوانين خاصة باعتمادات إضافية وإما أن تعتمد في الحسابات النهائية وقطع الحسابات». ولفت عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان إلى أن «تحصين الاستقرار هو في التفافنا حول مؤسساتنا»، مؤكداً أن «التعطيل لا يخدم اللبنانيين». وقال: «نريد قوننة جميع المواضيع ولكن ذلك لا يعني أن نغض النظر عن الفساد»، مضيفاً: «ما حصل مبارك لأننا أظهرنا أن لدينا الوعي الكافي لتجاوز المواضيع التي تضر بالاستقرار». وأكد أن قوى 14 آذار لن «تغض النظر عن أي محاسبة لأخطاء قد تكون حصلت في موضوع المال العام ولكن من دون المس بالاستقرار العام». وشدد النائب سامي الجميل على «ضبط أي إنفاق غير شرعي من 20 سنة لليوم وإقرار الإنفاق الحكومي». وطالب بالمحاكمات وتكريس القضاء للتدقيق في كل المال الذي صرف من دون استثناء، وليس أن نحاسب المؤسسات لأنها لم تعمل بين عامي 2005 و2010، مشيراً إلى أن هذه «المؤسسات لم تعمل لأنه كان هناك تعطيل للبلد واستعمال للسلاح وكان هناك 7 أيار وإغلاق للمجلس النيابي والبلد كان مشلولاً». وقال: «نحن مرتاحون إلى مهلة الأسبوعين التي لدينا، سنفكر فيها ملياً في كيفية معالجة المشكلة التي لها علاقة بتعطيل المؤسسات». ولفت النائب إبراهيم كنعان إلى أن «ما حوّل مشروع قانون الموازنة إلى موضوع سياسي هو الانسحاب الذي تم من الجلسة النيابية»، معرباً عن أسفه «لحصول أي تسوية على المال العام وعلى حساب الشفافية وعلى احترام القانون». ورأى أن «الذي انسحب اليوم عطل الفرصة أمام استعادة الدولة واستعادة القوانين والأنظمة». عون:حسابات دكاكين وقال رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب العماد ميشال عون بعد لقائه بري عقب انتهاء الجلسة: «قبل مجيئي إلى الجلسة مررت على «الدكنجي» أمام البيت فسألته كيف تعرف ماذا تبيع وماذا تربح، فقال لي أسجل كل شيء لمعرفة هذا الأمر». وتابع: «اكتشفت في المجلس النيابي أن مبلغ ال11 بليون دولار الذي يتكلمون عنه لم يسجل على أي ورقة ولم نعرف ماذا ربحنا أو خسرنا. واكتشفنا أن هذا الأمر يحصل منذ عام 1993، وهذا هو سبب الدين العام. هناك فوضى في المالية والاقتصاد، ونريد كشف حساب، ولن نوافق على إعفاء العهد السابق من كل المخالفات والإشكالات المالية». وزاد: «إذا كنت مضطراً لأن أجري حسابات، فسأجري حسابات دكاكين. نحن ضمن خطتنا الإصلاحية نريد كشف حساب ومن لا يريد أن يقدم هذا الكشف فليطرده الناخبون الذين اختاروه». السنيورة : عواصف فنجانية لا قيمة لها وأكد السنيورة بعد اجتماعه مع بري أيضاً أن «التأجيل هو إفساح في المجال للعمل على حل جدي لمشكلة سادت سنوات طويلة». وقال: «آخر موازنة عامة أقرت عام 2005 ثم تم إعداد وتقديم موازنات للسنوات اللاحقة ولم يتم تسليم بعضها إلى المجلس فيما سلم البعض الآخر، إلا أنها لم تقر» لافتاً إلى أن «الإنفاق كان خلال هذه الفترة وفق القاعدة الاثني عشرية»، موضحاً أن «خلال هذه الفترة حصلت مستجدات عدة منها القوانين التي أقرها المجلس النيابي والتي أوجدت أعباء إضافية لم تكن ملحوظة في موازنة عام 2005 كما أن دعم الكهرباء تخطى الحدود إضافة إلى كلفة الدين العام». ولفت إلى أن «الحكومات أنفقت منذ عام 2006 وحتى 2010 مبالغ بحدود 11 بليون دولار لكن في السنتين الأخيرتين تم إنفاق مبالغ تعادل ال11 بليوناً». وإذ أكد أن «المشروع يجتزئ المشكلة العائدة إلى عام 2006»، قال: «طرحنا وسيلة من أجل حل شامل وكامل ودائم ويمكن الدولة من النظر إلى الأمام»، معتبراً أن «في اقتراح القانون الذي تقدمت به يمكن ديوان المحاسبة إتمام التدقيق في الحسابات، وما طرحناه ليس تسوية الأرقام لسنة من السنوات وإنما حل شامل يبقي هذا الأمر تحت سيطرة ديوان المحاسبة». وأضاف: «عندما دخلت إلى وزارة المال عام 1993 لم يكن هناك آلة حساب واحدة وكانت أبنيتها مدمرة وحساباتها مبعثرة، ما أجبرنا على إجراء ما يسمى بالحسابات الافتتاحية وبدأنا إعداد قطوعات الحساب منذ ذلك الحين»، معتبراً أن «الكلام عن العودة إلى 1993 عواصف فنجانية لا قيمة لها». ميقاتي: نأمل بصفحة جديدة وفي المقابل رأى ميقاتي الذي عقد ثلاثة اجتماعات مع بري، الأول قبل عقد الجلسة والثاني بعد انتهائها ثم غادر ساحة النجمة ليعود إلى الاجتماع معه مرة ثالثة أنه «ينبغي لنا النظر إلى الجزء المليء من الكأس، وليس إلى الجزء الفارغ، فقد خرجنا من الأزمة الحادة التي مرت خلال الأسابيع الفائتة بإيجابيات عدة يجب علينا أخذ العبر منها، وهي تمسك الجميع بالنظام وبالدستور وبدور المؤسسات، والأهم التمسك بوحدة اللبنانيين التي ترجمت اليوم. وإذا أخذنا الأمور بمنظارها الأشمل، لتبين لنا مدى اقتناعنا جميعاً بالنظام والدستور، وتعاملنا مع المسائل بإيجابية، بدءاً بقبول استقالة الوزير (شربل) نحاس، والتمسك بدور مجلس الوزراء وقراراته، وبالوحدة الوطنية بين جميع اللبنانيين، على رغم الأجواء العاصفة من حولنا». وعن رأيه في انسحاب عدد من النواب من الجلسة أجاب: «كان هناك نصاب في الجلسة، لكن دولة الرئيس بري بحكمته، ظل دائماً عند كلمة جمع اللبنانيين، وإن شاء الله في الخامس من آذار نكون اتفقنا على خطوات كثيرة وتأخذ الأمور مسارها الصحيح». وأمل ب «فتح صفحة جديدة في العمل الحكومي المنتج، وبأن نغلب المصلحة الوطنية على كل ما عداها من حسابات شخصية أو حزبية أو طائفية، ونتعاون لتحقيق الأهداف التي تحقق نهضة وطننا وتطوره». وكان المجلس وافق على مشروع واحد يتعلق بإعفاء مادتي المازوت الأحمر والأخضر من الضريبة على القيمة المضافة في شكل دائم. وطالب بري الحكومة بموافاة المجلس بمشروع لتحرير مشتقات النفط من الاحتكار، وقد تحفظ وزير الطاقة عن ذلك.