قال قطب نيابي معارض إن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تواجه مآزق عدة ليس أقلها الموقف من تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بحيث باتت لاستمرارها أثمان كبيرة، في ظل التعقيدات التي تواجه مواصلتها عملها للمرحلة المقبلة. فإضافة الى مأزق التمويل ومضاعفات عدم الالتزام به، والذي يحرص ميقاتي على الابقاء على الغموض حول كيفية تحقيق وعده بتنفيذه أمام المجتمع الدولي واللبنانيين المؤيدين للمحكمة، ويؤجل الإفصاح عن الخطوة التي سيقدم عليها إذا لم يقبل «حزب الله» وحلفاؤه بمخرج ما لهذا التمويل، فإن الحكومة تواجه قضايا عدة تصيبها بشبه شلل نظراً الى الخلافات داخلها على التعيينات الإدارية وقانون الانتخاب والتطورات في سورية وتداعياتها اللبنانية، والموازنة وتصحيح الأجور. وفيما يمكن تأجيل بعض هذه العناوين في ظل قدرة «حزب الله» على ادارة الاختلافات داخل الحكومة بحيث لا تفجرها، وهذا ما نجح فيه أثناء الخلاف على اقرار قانون تأهيل قطاع الكهرباء، فإن هناك قضايا أخرى ملحة يصعب تأجيل استحقاقاتها، أهمها تمويل المحكمة الدولية، التي باتت المواقف منها معروفة داخل الحكومة. تشريع انفاق ميقاتي لكن قضية أخرى لها انعكاسات لا تحصى طرأت منذ الأسبوع الماضي هي المتعلقة بمشروع قانون أحالته الحكومة، بعد أن أعده وزير المال محمد الصفدي يقضي بالسماح للحكومة فتح اعتماد بقيمة 8900 بليون ليرة لبنانية لتغطية فائض النفقات المسموحة للحكومة التي تنفق على القاعدة الاثني عشرية في غياب مصادقة البرلمان عليها للعام 2011، وفقاً لأرقام آخر موازنة أقرت في مجلس النواب أي موازنة عام 2005، التي أعقبها تعذر اقرار أي موازنة في البرلمان منذ ذلك الحين. فالأصول القانونية والدستورية تفرض، في حال الحاجة الى انفاق يفوق أرقام آخر موازنة، إعداد قانون بالمبالغ التي تحتاجها الدولة، في البرلمان بقيمة هذه الزيادة مسبقاً، أو لاحقاً، إذا اضطرت الحكومة الى هذا الإنفاق لأسباب طارئة. وقد اضطرت حكومة ميقاتي الى زيادة الانفاق بقيمة ال 8900 بليون ليرة (ما يوازي 5 بلايين و900 مليون دولار أميركي) ما دفعها لإحالة مشروع قانون في هذا الصدد قبل أكثر من شهرين درسته لجنة المال النيابية وأحالته الى رئيس البرلمان نبيه بري، الذي طرحه على آخر جلسة تشريعية الأربعاء الماضي لكن من خارج جدول الأعمال. إلا أن هذا المشروع لقي اعتراضاً من رئيس كتلة «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة ونواب آخرين استخدم بعضهم ذريعة الحاجة الى دراسته لأنه لا يكفي توزيع نصه أثناء الجلسة لمناقشته والتصويت عليه، فجرى تأجيل بته. الحملة على انفاق السنيورة إلا ان وراء هذا التأجيل خلافاً عميقاً، استدعى اجتماعاً بين بري والسنيورة وميقاتي لأن لاعتراض السنيورة اسباباً تتعلّق بالحملة السياسية الإعلامية التي شنّت عليه وعلى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لانفاقهما من خارج أرقام موازنة عام 2005، اثناء حكومة السنيورة بين 2005 و2009 وحكومة الحريري بين 2009 و2010، على أنه انفاق غير قانوني، لأن قوى 8 آذار اعتبرت حكومة السنيورة غير قانونية بعد انسحاب الوزراء الشيعة منها آخر عام 2006، نتيجة الخلاف على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والذي أدى في حينه الى اقفال المجلس النيابي زهاء سنتين، بهذه الحجة، وعدم تغطية الانفاق الزائد عبر قوانين أحالها السنيورة الى البرلمان بذريعة عدم شرعية الحكومة وعدم دعوة المجلس النيابي من قبل بري للاجتماع بفعل الانقسام السياسي الحاد في البلاد، وبلغت قيمة الانفاق الإضافي طوال السنوات هذه 11 بليون دولار أميركي، استخدمت قوى 8 آذار عدم تغطيتها القانونية المؤخرة، بسبب اقفال البرلمان (بقرار من 8 آذار نفسها)، مادة لحملة عنيفة على السنيورة تشكك في صدقيته وصدقية فريقه المالية، تصدرها رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون وشارك فيها الرئيس بري بشراسة أيضاً، في وقت رد السنيورة مرات عدة على هذه الحملة مبيناً جداول صرف هذه المبالغ لا سيما في عهد حكومته الأولى، على 4 أوجه هي: سد العجز المزمن والسنوي في شركة كهرباء لبنان، ومتوجبات الهيئة العليا للإغاثة للمساعدات العاجلة بعد حرب تموز، وفروق المساعدات الخارجية لإعادة بناء ما تهدم نتيجة حرب تموز، وقيمة خدمة الدين العام المتوجبة على الخزينة. مساواة السنيورة بميقاتي؟ وأبقى بري على مشاريع القوانين لتغطية هذا الانفاق في أدراج المجلس النيابي على رغم اتفاق الدوحة لحل الأزمة السياسية، رافضاً اعادة طرحها على الهيئة العامة، حرصاً على عدم اسقاط الحجة التي استخدمتها قوى 8 آذار بأن حكومة السنيورة غير شرعية خلال فترة الخلاف لأن البت بهذه القوانين يعيد الاعتراف بشرعيتها، وهذه المشاريع هي جزء من 69 مشروع قانون حوّلتها حكومتا السنيورة، لم تطرح على البرلمان الذين كان مقفلاً بهذه الحجة. وقد واجهت حكومة ميقاتي منذ تشكيلها قبل بضعة أشهر المعضلة نفسها. فاضطرت لزيادة الانفاق عن أرقام موازنة 2005، ويشير بعض المعلومات الى أن هذا الانفاق الإضافي بلغ، عبر سلفات خزينة، 4 بلايين دولار أميركي، فيما يقول بعض نواب المعارضة، أنه بلغ قرابة 6 بلايين دولار، اي أكثر من نصف المبلغ الذي أنفقته حكومة السنيورة خلال زهاء 4 سنوات، وقد انفقته حكومة ميقاتي خلال 5 أشهر. ولذلك اقترحت مشروع قانون بزيادة الانفاق بقيمة 8900 بليون ليرة (5.9 بليون دولار)، صرف جزء منها، أي أنها تطلب تشريعاً مؤخراً لجزء من المبلغ المطلوب اصدار قانون بالإجازة لها أن تفتح اعتماداً من الخزينة لانفاقه. وهو الأمر نفسه الذي كانت طلبته حكومة السنيورة ورفض بري عرضه على الهيئة العامة بحجة عدم شرعية حكومة السنيورة الذي كان أحد عناوين الصراع السياسي الذي نشب على المحكمة الدولية. ميقاتي يواجه ما واجهه السنيورة ولأن حكومة ميقاتي تواجه في هذه الحال ما واجهته حكومتا السنيورة ومن ثم حكومة الحريري لجهة تشريع اعتماد قاعدة التشريع المؤخر لانفاق حصل، فإنها تواجه في هذه الحال مشكلة عرض موازنة 2012 على البرلمان، الذي يتوجب قبل حصوله، اتمام تشريع الانفاق لكامل عام 2011 وإلا جاء العام المقبل من دون التمكن من اقرار موازنته أيضاً... (لا إمكانية لإجراء قطع الحساب بين سنتين من دون تشريع أوجه الإنفاق). كان من الطبيعي والحال هذه، أن يربط السنيورة مع حلفائه في المعارضة قبول نواب 14 آذار بتشريع انفاق حكومة ميقاتي خارج أرقام موازنة، بتشريع البرلمان للانفاق المؤخر ل 11 بليون دولار خلال سنوات سابقة، والذي يعتبره رئيس الحكومة السابق مقصوداً من أجل تبرير الحملة على انفاق حكومتيه هذا المبلغ والتشكيك في صدقيته وفريقه. انعكاسات التشريع على المحكمة وهذا هو جوهر المسألة التي ناقشها الاجتماع الثلاثي بين بري وميقاتي والسنيورة الأسبوع الماضي، والذي قال عنه بري أنه تناول «قرارات حكومة السنيورة البتراء»، فيما تكتم الأخير وميقاتي على ما دار فيه. أدت حجة السنيورة بأن انفاق حكومة ميقاتي خارج الموازنة مثل انفاق حكومته، الى طرح مسألة تشريع كل ما أُنفق والى فتح النقاش حول مشاريع القوانين التي حولتها حكومته المعتبرة «غير شرعية» بالنسبة الى قوى 8 آذار. والمأزق يكمن في أن تشريع انفاق حكومة ميقاتي من دون تشريع ما أنفقته حكومة السنيورة لا يلغي مشروعية ما قامت به الأخيرة ويسقط حجة أمام قوى 8 آذار في حملتها على السنيورة. أما القبول بتشريع انفاق حكومة السنيورة بالموافقة على مشاريع القوانين التي أرسلتها الى البرلمان ونامت في الأدراج، بسبب إقفال البرلمان بحجة التشكيك بشرعية حكومته، فإنه يفتح الباب على إسقاط حجة عدم الشرعية هذه، ويصعب الاكتفاء، في حال اقرار تلك المشاريع المجمدة المتعلقة بالإنفاق، فهو يفتح الباب، تالياً على البت ببقية مشاريع القوانين ال 69، التي أحالتها حكومة السنيورة. سقوط حجة لا شرعية حكومة السنيورة وفي وقت يعني إقرار قانون واحد من القوانين التي سبق لحكومة السنيورة أن حوّلتها، يعطي مشروعية لغيرها، فإن هذا يسقط حجة لا شرعية حكومته الأولى، التي كانت قاعدة من قواعد تشكيك قوى 8 آذار في موافقتها على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، واستطراداً يضعف، إن لم يكن يُسقط، حجة لا شرعية المحكمة، التي، عليها، يستند رافضو تمويلها من أجل تبرير موقفهم هذا، قانونياً، من معارضتهم الحاسمة لهذا لتمويل، على رغم انهم قبلوا به في حكومتي السنيورة، والحريري الأخيرة في بيانيهما الوزاري وفي الموافقة على تسديد جزء من حصة لبنان من مصاريفها للعامين 2009-2010، وهما حكومتان كانت قوى 8 آذار في صلبهما. تواجه حكومة ميقاتي مأزق تمويل الإنفاق العام عبر اضطرارها لطلب تشريع ال 8900 بليون ليرة، الذي يتطلب تصويتاً عليه في البرلمان يوجب تأمين الأكثرية له. فهل أن جميع كتل الأكثرية، وتحديداً كتلة النائب وليد جنبلاط مستعدة للموافقة عليه، من دون تشريع الإنفاق خارج الموازنة للسنوات السابقة. وفي ظل إقبال الحكومة على طرح موازنة 2012 على المناقشة الحكومية والبرلمانية، هل أن تشريع انفاق ال 8900 بليون ليرة للعام 2011، كاف وحده لقطع الحساب بين السنة الحالية والمقبلة، أم يتطلب الأمر قطع الحساب عن السنوات الماضية عبر تشريع ال 11 بليون دولار؟ فتشريع هذا المبلغ يعني تشريعاً لما دفعته الحكومات السابقة من حصة لبنان للمحكمة. الاجتماع الثلاثي: لا جواب نهائياً الاجتماع الثلاثي طرح المعضلة، لكنه لم ينته الى جواب نهائي عليها في انتظار أن يخرج الرئيس بري من جيبه حلاً، لا يتضرر منه هو وفريقه في 8 آذار، سياسياً، لجهة الموقف من المحكمة، أو أن يظل المخرج بقاء لبنان بلا موازنة للعام المقبل أيضاً.