انطلقت هذا العام باكراً أكثر من حملة لمقاطعة معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي ينطلق في السادس من آذار (مارس) المقبل. وشهد موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» مطالبات كثيرة لمقاطعة المعرض، الذي يمثل مناسبة مهمة يشارك فيها تقريباً المجتمع السعودي كله. حملة انطلقت تحت عنوان «من أجل قيمنا»، يليها نشر بيان يضم حوالى 49 شخصية، من بينهم الشيخ عبد الرحمن البراك والدكتور ناصر العمر، يستنكرون إقامة معرض الكتاب. وجاء في البيان: «وبعد أيام يأتي معرض الكتاب بمشكلاته، بسبب ما يعرض فيه من كتب محرمة وما يقام فيه من ملتقيات يستضاف فيه أصحاب الفكر المنحرف، وما يجري فيه من اختلاط واستخفاف بالأحكام الشرعية، فيجب أن تتوقف هذه البرامج....». وعزت حملة «من أجل قيمنا» السبب في مقاطعة المعرض، إلى مخالفته «الشريعة الإسلامية وقيم المجتمع السعودي والدولة». وقال أعضاؤها، في نص تعريفي: «بعدما استمرت المناصحة والإنكار والتواصل مع الجهات الرسمية على مدى السنوات الماضية، ولم يتم تلبية رغبة المجتمع من مراعاة ضوابط الدين الحنيف، كانت هذه الحملة ...». وتفاعل مع الحملة عدد لا بأس به تخطى 112 شخصاً، يؤيدون مقاطعة المعرض، «لأنها مطلب شرعي ونؤكد أن هدفنا تغيير المنكر بالتي هي أحسن»، كما قالوا في «فيس بوك». وعرضوا في صفحتهم استبياناً حول مدى جدوى المعرض، في تمثيل توجهات المجتمع السعودي. من جهة أخرى، أكد مثقفون أن الفكر المتشدد ما يزال يضرب أطنابه في المجتمع، لافتين إلى أن مثل هذه الأفكار التي تدعو إلى مقاطعة فعاليات ثقافية مهمة، كانت انحسرت منذ زمن، متسائلين ما الذي أعادها. وقال صالح زياد الغامدي ل «الحياة»: «من الذي يقول إن مثل هذه المعارف يمكن أن تؤدي إلى سلبيات تجاه الثقافة والدين؟ إلا إذا كنا في حال من الضعف وعدم الثقة بهويتنا وثقافتنا وديننا. والأمة العربية والإسلامية لم تشهد في تاريخها ازدهاراً وقوة إلا حينما انفتحت على العالم. لا يقتلنا شيء مثلما قتلنا الانغلاق، ولم يحيينا شيء كما أحيانا الانفتاح على العالم»، مؤكداً أن الانغلاق «ضعف والانفتاح قوة. في حالات الانغلاق والتشدد تنمو الكائنات المتخلفة، وتضعف النهضة متى يعي هؤلاء أن ما يفعلونه ليس في مصلحة الهوية ولا الوطن ولا الثقافة، التي يعتقدون أنهم مدافعون عنها؟ متى يمكن أن نجد من الأجهزة المختصة من يستشعر أن ما يفعله هؤلاء لا يترك أثراً محدوداً في اللحظة التي يتحركون فيها، وإنما يترك أثراً عميقاً في وجدان الشباب وفي صورة المملكة في الأوساط العالمية، وان هذه التصرفات تنسج خيوطاً حول صورة الثقافة السعودية، لم يغدو سهلاً في مستقبل الأيام أن تفكك وتظهر صورة مناقضة لها وهي صورة الإنسان السعودي المتدين». ولفت الغامدي إلى أن من يعتقد أن هناك «رقابة ناجعة يمكن أن تمنع كتاباً لا يريده هذا أو ذاك فهو واهم. الحدود الآن اختلطت ووسائل المنع التقليدية لم تعد مجدية، والانترنت يوفر الكتاب من أي مكان في العالم ليصل في لحظات وجيزة، والكتب الممنوعة منتشرة في الانترنت بأسعار زهيدة وربما مجاناً. فالذين يرتادون معارض الكتب لا يبحثون عن الممنوع، يبحثون عن الثقافة، والممنوع له سراديبه وأقبيته ولا احد يستطيع المنع في هذا العصر». في حين قال مثقفون إن انطلاق مثل هذه الحملات طبيعي، «فهي تتزامن مع المعرض، كما شهدنا في الأعوام السابقة». وقالوا إن بعض الناس «يعبرون عن وجهة نظرهم حيال نوع معين من الثقافة بطريقتهم»، مشيرين إلى أن الكتاب السيئ «مرفوض من الجميع، وتوجد جهات مسؤولية تقر وتصرح للكتب». فيما أوضح رئيس اللجنة الإعلامية والشؤون الثقافية في معرض الكتاب الدولي محمد عابس ل «الحياة» أن المعرض «يرتاده سنوياً 3 ملايين زائر، وإذا تمت مقاطعة مئة أو ألفي شخص فلن يؤثر في سير المعرض»، مشيراً إلى أن «اتهامات البعض بوجود كتب تسيء للرسول صلى الله عليه وسلم أو الذات الإلهية والمقدسات مبالغة. هناك إدارة الرقابة في المعرض جهزت نماذج للزائرين خاصة بالشكوى ضد أي كتاب يحوي ملاحظات، يتم تدوين اسم الكتاب والمؤلف واسم المشتكي ورقم هاتفه ويرفع إلى إدارة الرقابة للتحقق من الشكوى: هل هي صحيحة ومنطقية أم كيدية، إضافة إلى تجهيز الاحتياطات الكاملة التي تضمن عدم حدوث فوضى». وأكد عابس أن أي كتاب «يوجد عليه ملاحظات يتم سحبه، كسائر أي بضاعة غير جيدة في السوق».