يعتبر لبنان أن قضية النازحين السوريين على أرضه تفاقمت من دون أن يكون للدولة دور في تنظيم النزوح والإيواء وحتى التمييز ما بين النازح والعامل، ليصفع الرقم مليون وأكثر من 200 الف نازح مسجلين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وجه الدولة العاجزة عن التعامل مع أكبر عملية نزوح يشهدها لبنان عبر تاريخه واستضافته اكبر عدد من النازحين بين الدول المحيطة بسورية. وأوضح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أن «المسألة من الناحية العملية أكبر بما لا يقاس من الامكانات الموضوعة تحت تصرفنا ومن الممكن أن آخذ قراراً ولا ينفّذ». وكانت الوزارة رفعت تقريراً تضمن «رؤية عملية لمعالجة تداعيات النزوح السوري على لبنان وخريطة طريق لمعالجة آثار الازمة على لبنان» الى مجلس الوزراء، واتُخذ قرار بنزع صفة النزوح عن سوريين لا يستوفون شروط تضمنتها الخطة اللبنانية. لكن الوزير درباس الذي بعث بكتاب الى المفوضية يسأل فيها عن عدد الذين تم تسجيلهم منذ اصدار القرار، لم يتلق أي رد من المفوضية التي لا تزال تواصل تسجيل نازحين وتصدر تقاريرها بالعدد الذي يرتفع اسبوعياً. وقال درباس ل «الحياة»: «أحاول أن أخترع سياسة. انا تسلمت هذا الملف منذ ثلاثة اشهر فقط (عمر الحكومة خمسة اشهر). حين كان عدد النازحين ألف نازح كان لا يزال الوضع ممسوكاً ولكن عندما أصبح مليوناً وضعنا سياسة مكتوبة»، لافتاً الى ان تحركه حصل بعد مشاركته في مؤتمرات في باريس والاردن وزيارة مخيم الزعتري. لا يعتبر درباس ان الخطة الموضوعة والاقتراحات التي تتضمنها مثل اقامة مخيمات حدودية ضمن الاراضي اللبناني هي منفصلة عن الواقع «لأن فريقاً يعمل مع النازحين على الأرض هو من أعد التقرير وفق المشاهدات والحاجات»، ذلك ان ملف النازحين «قنبلة تتفاقم قدرتها التدميرية من دون رقابة من الدولة اللبنانية ومن المجتمع الدولي، وأكثر ما أخشاه أن يتحقق ما قلته يوماً للمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس، عندما كنا في مخيم الزعتري في مؤتمر دول الجوار، أن تنشأ مفوضية سامية لادارة شؤون اللاجئين اللبنانيين». لا رقم نهائياً لاعداد النازحين وأشار درباس الى أن «عدد النازحين المسجلين لدى المفوضية يختلف عن عدد الموجودين على أرضنا، فهناك نحو مليون ونصف المليون أو مليون و400 ألف، لا أستطيع تحديد العدد لأن حركة الذهاب والاياب العادية ليست خاضعة للرقابة، وهناك أشخاص مقتدرون أتوا الى لبنان وأعدادهم مئات الآلاف يصرفون الأموال من جيوبهم ويقطنون الفنادق أو لديهم منازل هنا، وبعضهم تجّار وأصحاب مصانع نقلوا عملهم إلى لبنان». وكشف عن أن «العمال هم جزء من المليون و200 ألف المسجلين لدى المفوضية وهذا خطأ وقعت فيه المفوضية ذلك انهم أساساً موجودون قبل الازمة واستغلّوا الفرصة للتسجيل في المفوضية مع عائلاتهم للحصول على المساعدات»، معتبراً أن «المفوضية تصرّفت بمفردها من دون معايير واضحة ولكن الحق علينا وليس عليها، أصبح كل واحد يبرز هويته السورية يسجلونه». لكن كيف يمكن لبنان الامني ان يراقب دخول النازحين الى ارضه خصوصاً أن هناك معابر لا تخضع لرقابة الامن العام ولا الى اي جهاز امني رسمي آخر؟ يتمسك درباس بأن «معرفتنا لآخر نازح قدم إلى لبنان هي من سجلات الامن العام، فلا يدخل أحد إلا عبر المعابر، صحيح أن بلدة عرسال الحدودية مفتوحة على الجرود ولكن هؤلاء كلهم مقاتلون، ومن لا يتسجّل في الأمن العام يُعتبر دخوله خلسة». ودعا إلى تطبيق تعريف اتفاقية جنيف في موضوع اللجوء علماً انه يصر على وصف السوري الموجود على ارض لبنان بأنه «نازح وليس لاجئاً»، متوقفاً عند تسجيل «منظمة العفو الدولية إشارة غير لطيفة عن أن لبنان منع 6 فلسطينيين من الدخول الى ارضه». وقال: «هؤلاء لديهم تأشيرة دخول مزوّرة. وعلى رغم ذلك، يحاسبوننا على ذلك، ولكن مئات الذين يموتون غرقاً ويدخلون خلسة الى اوروبا لا اعتراض عليهم». وقال درباس: «وفقاً لاتفاقية جنيف فإن من يعود إلى سورية يعني انه يستطيع ويرغب، فهل هو عامل ام لاجئ. نحن لسنا بلد لجوء. علينا أن نضع سوية صيغة بين معاييرهم ومعاييرنا التي بالنسبة إلينا ليست مختلفة. عليهم أن يراعوا ظروف الدولة اللبنانية اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً. وبصراحة لدينا مليون و200 ألف أو أكثر منهم من الشباب المدربين من يستطيعون أن يعملوا جيشاً من أكبر جيوش الشرق الأوسط». ولفت إلى أن «التقرير المعد من الوزارة لا يصف الحال الاجتماعية للنازحين بل يشخص خطورة الوضع السياسي والاجتماعي والامني الناجم عن النزوح»، متوقفاً عند «العبء المترتّب على البنى التحتية، فمثلاً المدارس اللبنانية تصاب بإرهاق كبير لأنها تفتح أبوابها عصراً للسوريين على رغم أن العدد الذي تستوعبه ليس أكثر من 100 ألف. أما في ما خص الطاقة فالسوريون يستهلكون 200 ميغاواط في مراكز تجمعهم كافة في لبنان وحدهم، في حين اننا نستجر من سورية مئة ميغاواط». وقال: «نريد أخذ الامور على حقيقتها، استضاف الشعب اللبناني إخوته السوريين مستبقاً المجتمع الدولي والمجتمع العربي والدولي. هذا المجتمع المضيف ضعفت قدرته إلى درجة كبيرة إذ لم يعد يستطيع أن يقوم بأبنائه»، مشيراً إلى أن «النزوح يتركز في الدرجة الاولى على المناطق الفقيرة التي لا تأتيها أي مساعدات إلا بعض التي تتم بين المفوضية وبعض السلطات المحلية». وأكد أن «المساعدات التي تأتي إلى المفوضية تضمحلّ، فعام 2013 أتى من المقدر ما نسبته 53 في المئة وفقاً لتقرير المفوضية. اما الآن وحتى منتصف شهر تموز فحصلنا على نسبة 24 أو 25 في المئة ونحن خائفون أن تبرد همة المانحين». ضرورة تنفيذ قرارات الحكومة وقال درباس إن «الأساس في ملف النازحين السوريين حالياً هو المخيمات المنظمة المقترح إقامتها عند المناطق الفاصلة (no man's land) على الحدود». يوافق درباس على ان فكرة اقامة مخيمات حدودية تقلق النازحين بل تتعرض للرفض من قبلهم على خلفية احتمال تعرضهم لابادة جماعية من قبل النظام السوري، ويرى أن «المدفع الذي يصيب على مسافة 10 كلم يصيب على كيلومتر واحد. ولا نقترح تكرار تجربة المخيمات الاردنية، وإذا كانت هناك حرب إبادة، صراحة تكون خرجت عن النطاق اللبناني وتصبح مسألة دولية». وقال: «لن أستبق إشكالية مع المفوضية، نحن أصحاب السيادة على أرضنا وهم يعملون على أرضنا. قلنا لهم هذه قرارات مجلس الوزراء ولا اظن أنها ستجتهد خلافاً لتوجهنا وعليها أن تتعاون لأنها هي من يضع الدراسة للمشروع». وأكد أن لدينا «مشكلة مزدوجة: انهيار المجتمع اللبناني وانهيار النزوح فوق المجتمع اللبناني»، مشيراً إلى أن «هذا المقترح متفّق على جزء منه ومختلف على الجزء الآخر، واتقفنا في مجلس الوزراء على أن هناك مناطق فاصلة بين الحدود تابعة للدولة اللبنانية ونبني عليها المخيمات وذلك المشروع يلزم أن تتوافر فيه ثلاثة شروط هي: ضمانة أمنية دولية، تمويل، وقبول المنظمات الدولية بإدارة هذه المخيمات». «لبنان أفضل مريح» واذ اعتبر ان قبول النازح على ارضه شرطه ان يكون «من مناطق محاذية للبنان وتعدّ غير آمنة»، رأى ان معنى ذلك يساوي عملياً ان النزوح صفر، بعدما ظهر أن أكثر النازحين يأتون من مناطق بعيدة محاذية للأردن وتركيا». وأكد أنه «بحسب إحصاءات المفوضية العليا يستقبل لبنان 46 في المئة من النازحين من المناطق الابعد عن الحدود اللبنانية». وقال: «عندما زرت ورئيس مجلس الامة الكويتية مرزوق علي الغانم مخيمات البقاع، سأل الاخير ثلاث نساء عن سبب اختيارهن لبنان فأجبنه بأن «لبنان أفضل ومريح»، مشيراً إلى أن «النظام في تركيا والاردن حديدي، وفي العراق لا يستقبلون غير الاكراد». ولفت الى أن «إحصاءات المفوضية تشير إلى أن قاطني الشقق من النازحين كانوا يشكلون أكثر من 53 في المئة وبدأت هذه النسبة بالانخفاض حتى وصلت إلى 45 في المئة ما يعني أن القدرات تضمحل وقاطني الشقق يضطرون إلى الذهاب إلى مخيمات، فالمشكلة تتفاقم أكثر»، مجدداً تخوفه من أن «هذه القنبلة البشرية قد تصدر عنها آثار متعددة ومدمّرة وليس هناك في الافق أي رؤية للمعالجة»، واصفاً الازمة بأنها «أخطر ازمة في تاريخ الشعب اللبناني». وعما إذا كانت قرارات الوزارة مجحفة بحق النازحين، قال: «هذا الامر لا مراجعة فيه فلينقموا كما يريدون، الذي ذهب إلى سورية أسقط عن نفسه هذه الصفة». وثائق لمغادرة لبنان وأكد درباس ان الجهات الرسمية لم تتلقَ أي طلب من أي جهة دولية لتوطين نازحين او إعطاء وثائق سفر لهم». وقال: «من يقدر على اصدار وثائق السفر هي دول اللجوء. لبنان ليس دولة لجوء». وأوضح ان «من الممكن أن هناك كلاماً في أوروبا عن استيعاب 100 ألف ومن الممكن أن هناك نازحين يريدون وثيقة «تسهيل مرور» وإذا كان الامر يستوجب تسهيل مرور مغادرة النازح لبنان فلا صعوبة في توفير مثل هذه الوثيقة ولكن ليس لاستخدامها في الخروج من لبنان والعودة إليه». التنسيق مع السفارة السورية وعن أي تنسيق مع السفارة السورية لدى لبنان لتولي رعاياها في لبنان، أشار درباس إلى أن «السفارة فتحت أبوابها للانتخابات وعندما اجتمع وزير الخارجية بالسفير السوري، قال له الأخير فليرجعوا إلى بيوتهم»، لافتاً إلى أن «كل من انتخب باستطاعته أن يعود». وزاد: «لنقل أن قسماً كبيراً من النازحين هو مع النظام، ولكن هناك قسماً لا يستهان به ليس مستعداً للتعامل مع السفارة». وتمنى لو أن «السفارة تتولاّهم كلّهم. ليس لدينا اعتراض أبداً». وأوضح أن «الخطوة الأولى لإجراءات تسجيل المولودين من والدَين سوريين في لبنان لمن لا يريد الذهاب إلى السفارة السورية، هي شهادة الولادة من المستشفى، ثم التوجّه إلى المختار المحلي في مكان الولادة من أجل الحصول على وثيقة ولادة»، لافتاً إلى أن «بإمكانهم تسجيل الطفل في المفوضية أيضاً للحصول على إثبات رسمي مزدوج». وعن عمل النازحين الذين يعملون من دون إقامات، قال: «لا شيء يطبّق وفق الاصول وهناك قسم كبير من أرباب العمل يستغلون هؤلاء العمال لرواتب منخفضة، تنافس اليد العاملة غير المنصف يصيب لبنان في شكل كبير». مسؤولون نظريون يقر درباس بأن «هناك علاجات محلية وأخرى تتخطانا»، واصفاً الازمة ب»النكبة الفلسطينية أو أكبر». وشدد على «ضرورة أن يتحمل العرب مسؤوليتهم. سواء بمشاركتهم في الايواء أم ببلورة موقف سياسي واحد يفرضونه على العالم». ولكن في ما يتعلق بالتدابير الداخلية، قال: «سرنا بخطوات لكننا مكبلون باعتراضات لا يمكنني تخطيها لأننا لا يمكننا أن نفعل شيئاً مخالفاً للاتفاقات الدولية»، مشدداً على أن «خلية الازمة يجب أن تتكون من آلاف الاشخاص». وقال: «أنا المسؤول الورقي عن هذا الملف، لأنني لا أمسك شيئاً. يمكنني أن أزور المخيمات حين أعرف انني أستطيع في ضوء هذه الزيارة أن أضع «روشتة» وأنفذّها. نحن مسؤولون نظرياً، وزارة الشؤون الاجتماعية تشرف على ملف النازحين ولكني أحاول والفريق أن نفهم ونقترح ونفاوض ونضع تدابير».