بدأت الشركات المساهمة المدرجة في أسواق المال في المنطقة بالإفصاح الأولي عن نتائج أعمالها في الربع الأخير من 2011 وخلال العام ككل، بينما لا تزال البيانات المالية قيد الاستكمال والتدقيق من قبل مدققين مستقلين للحسابات، تمهيداً لنشرها أمام المساهمين والمستثمرين ولمناقشة تفاصيلها في الجمعيات العمومية السنوية للمساهمين قبل انقضاء الربع الأول من 2012. وبما أن اختيار مدققي الحسابات الخارجيين للشركات المساهمة العامة ودفع أتعابهم يجري من قبل المساهمين، فإن المدققين كغيرهم من المهنيين، في حاجة ماسة إلى الالتزام بقواعد السلوك المهني والقيم الأخلاقية باعتبار أن لعملهم تأثيراً في معظم فئات المجتمع بعدما ارتفع عدد مساهمي الشركات المساهمة العامة إلى مستويات قياسية يصل إلى نسبة مهمة من عدد السكان، إضافة إلى اعتماد عدد كبير من الأطراف على البيانات المالية التي تنشرها الشركات في اتخاذ القرارات، ويشمل ذلك الدائنين والمصارف والمستثمرين المحتملين والحكومة. ومن نافل القول إن الاستقامة، والنزاهة، والالتزام بقواعد السلوك المهني، والقيام بالعمل بكل أمانة واستقامة وموضوعية ومن دون أي تحيز لجهة أو خضوع لأي تأثيرات تتعارض مع الموضوعية والنزاهة، تأتي في مقدم واجبات المدققين ومسؤولياتهم. وتقع على المدققين بالتالي مسؤولية التأكد من أن القوائم المالية التي تنشرها الشركات المساهمة العامة تعبر بعدالة عن مركزها المالي ونتيجة أعمالها طبقاً للمعايير الدولية وتقارير المدققين، وتحتوي على الحقائق كلها التي تؤثر في قرارات المستثمرين المحتملين، سواء بالشراء أو البيع، إضافة إلى قرارات المقرضين والدائنين. ويجب أن يسعى المدقق أكثر من أي وقت مضى، وفي ظل تضارب المصالح، لإصدار التقارير وفق الأسس التي تستند إلى معايير المهنة، خصوصاً الاستقلالية والعدالة، بعدما ضمنت القوانين المنظمة لمهنة تدقيق الحسابات في معظم دول العالم استقلالية المدققين من خلال تحديد كيفية تعيينهم وعزلهم وتحديد أتعابهم. وبات اختيار المدققين من قبل الجمعية العمومية السنوية للمساهمين وليس من قبل إدارة الشركات، يتيح مساحة واسعة من الاستقلالية للمدققين ويرفع مستوى اطمئنانهم ويحررهم من الخضوع لسيطرة الإدارات وتهديدها لهم بعدم تجديد العقود أو بخفض قيمة الأتعاب. لكن ثمة خطأ شائعاً في المنطقة يتمثّل في استمرار تفويض كثير من الجمعيات العمومية للمساهمين إدارات الشركات، اختيار المدققين وتحديد أتعابهم ما يعرض هؤلاء إلى التهديد ويغرقهم في تضارب المصالح بين مساهمي معظم الشركات وإداراتها، فالحرص على حقوق المساهمين والمستثمرين المحتملين يتطلب من المدققين القيام باختبارات التدقيق وإجراءاته بما يتفق والقواعد المهنية المتعارف عليها وبذل العناية المهنية الكاملة، خصوصاً حين تعمل بعض إدارات الشركات على تجميل بياناتها المالية السنوية بوسائل مختلفة. وفي المقابل فإن إهمال المدقق أو تقصيره بواجباته بما يمكن أن يلحق ضرراً بالمساهمين الذين يعتبَر المدقق وكيلاً عنهم، يعرضه إلى المسؤولية المدنية والمسؤولية المهنية والتأديبية، فمن مسؤوليات المدقق الاطلاع على كل ما يراه ضرورياً للتمكن من القيام بعمله، والامتناع عن إبداء الرأي إذا لم يزوَّد بأدلة كافية ومناسبة، إضافة إلى مسؤوليته المتمثلة في فحص الأنظمة المالية والإدارية للشركات وأنظمة الرقابة الداخلية. وفرضت ظروف الأزمة المالية العالمية على المدققين واجب التأكد من تقويم موجودات الشركات، سواء منها العقارات والأسهم والأراضي والبضائع في المخازن وغيرها من الأصول الثابتة والسائلة، إضافة إلى التأكد من الالتزامات المترتبة على الشركات وقدرتها على تسديدها في مواعيدها استناداً إلى تدفقاتها النقدية، والتأكد من احتساب المخصصات الكافية وجودة القروض وغيرها من البنود المهمة. وخلاصة القول أن الواجب الأول والأخير للمدقق هو إشعار المساهمين بالأخطار التي قد تتعرض لها الشركات، خصوصاً منها تلك الناتجة من تعثر اقتصادي أو تعثر مالي. * مستشار لأسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»