تراجعت إسرائيل عن قرارها بدء تهدئة من جانب واحد عند السادسة من صباح أمس، واستأنفت بعد ساعات قليلة عدوانها على قطاع غزة، فشنت سلسلة من الغارات على القطاع، ما رفع عدد الشهداء إلى 195 والمصابين إلى حوالى 1400 جريح. وجاء القرار الإسرائيلي بعد رفض فصائل المقاومة كافة، وفي مقدمها حركتا «حماس» و «الجهاد الإسلامي»، المبادرة التي أعلنتها مصر ليل الإثنين- الثلثاء لوقف النار ووافقت عليها السلطة الفلسطينية. وذكرت كل الفصائل الفلسطينية أن مصر لم تُجرِ مشاورات معها ولم تعرض عليها المبادرة، فيما انقسم الفلسطينيون بين مؤيد للتهدئة ومعارض لها. ورفضت كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة «حماس» المبادرة، وقالت في بيان أصدرته فجر أمس: «لم تتوجه إلينا أي جهة، رسمية أو غير رسمية، بما ورد في مبادرة وقف إطلاق النار المزعومة التي يتم الحديث عنها في وسائل الإعلام». وأضافت: «إن صح محتوى هذه المبادرة فإنها مبادرة ركوع وخنوع نرفضها جملة وتفصيلاً، وهي بالنسبة إلينا لا تساوي الحبر الذي كتبت به». وشددت على أن «معركتنا مع العدو ستستمر، وستزداد ضراوة وشدة، وسنكون الأوفياء لدماء الشهداء، ونعد شعبنا أنها لن تضيع سدى، ولن يجهضها أحد، كائناً من كان». بدوره، أكد الناطق باسم «سرايا القدس» الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي» «أبو أحمد»، أن «المقاومة لن تقبل بتهدئة مقابل تهدئة مع الاحتلال، ولن تسمح لأي كان أن يكسرها ويُهدي الانتصار للعدو الصهيوني على طبق من ذهب». واعتبر «أبو أحمد» في تصريح صحافي أمس بعد إعلان الحكومة الإسرائيلية قبولها المبادرة المصرية، أن «الساعات المقبلة ستكون حاسمة، فإما أن تندلع معركة بلا هوادة، وإما أن تكون تهدئة تحقق شروط المقاومة». من جهتها، أعلنت حركة «حماس» ليل الإثنين- الثلاثاء رفضها أي وقف لإطلاق النار «من دون التوصل لاتفاق شامل»، مؤكدة أن المبادرة «لم تصلها في شكل رسمي». وقال المتحدث باسم «حماس» فوزي برهوم: «لم يحدث في الحروب وقف إطلاق النار ثم التفاوض»، في إشارة إلى البند (2-أ) من المبادرة. بدوره، أعلن عضو المكتب السياسي في الحركة موسى أبو مرزوق، أن الحركة لا تزال تبحث المبادرة المصرية. وقال أبو مرزوق المقيم في القاهرة على حسابه على «فايسبوك»: «ما زلنا نتشاور ولم يصدر موقف الحركة الرسمي في شأن المبادرة المصرية». وكان نائب رئيس المكتب السياسي ل «حماس» إسماعيل هنية، قال في كلمة متلفزة مسجلة ليل الإثنين- الثلثاء: «ليست المشكلة في التهدئة ولا العودة لاتفاقات التهدئة، لأننا نريد وقف هذا العدوان على شعبنا، لكن المشكلة هي واقع غزة، من حصار وتجويع وإغلاق المعابر وإهانة للناس (...) هذا الوضع يجب أن يتغير، وأن ينتهي الحصار، يجب أن يعيش شعبنا في غزة حراً كريماً». من جانبه، رحب الرئيس محمود عباس بالمبادرة. وقالت وكالة الأنباء الرسمية «وفا» إن عباس «رحب بالمبادرة المصرية للتهدئة، وثمن الجهود التي بذلتها مصر لحماية الشعب الفلسطيني». وأضافت أن عباس «دعا جميع الأطراف إلى التزام المبادرة حفاظاً على دماء شعبنا والمصالح الوطنية العليا»، مطالباً بأن «تمهد هذه المبادرة لجهد سياسي لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة». من جهتها، أعلنت «الجهاد» رفضها المبادرة بعد الاطلاع عليها. وقالت الحركة في بيان مساء أمس، إنها «إذ تثمن أي جهد يبذل لوقف العدوان على شعبنا، فقد أبلغت الجانب المصري موقف الحركة بعدم قبول هذه المبادرة التي لا تلبي حاجات شعبنا وشروط المقاومة التي لم تستشر فيها». وأضافت أن «هذه المبادرة غير ملزمة لنا، وأن سرايا القدس ستواصل عملياتها جنباً إلى جنب مع كل الفصائل والأجنحة العسكرية، دفاعاً عن شعبنا في مواجهة العدوان الصهيوني الهمجي». وكان القيادي في الحركة خالد البطش كشف النقاب في وقت سابق عن أن الحركة تلقت «رسمياً المبادرة المصرية ليلاً». بدورها، أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رفضها التهدئة، وقال مصدر مسؤول في «الشعبية» في بيان إن «أحداً لم يستشر الفصائل»، مضيفاً أنه «لم يصدر أي قرار عن أي مؤسسة فلسطينية بالموافقة على المبادرة، ولم يتم بحثها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو القيادة الفلسطينية، ولا علم لأي فصيل فلسطيني بها». وجاء أول رد فعل غاضب من «حماس» بمنع المرضى من مغادرة القطاع للعلاج ومنع الصحافيين الأجانب من الدخول إليه. وفي خطوة أخرى، قذف مواطنون غاضبون يُعتقد أنهم ينتمون لحركة «حماس»، وزير الصحة جواد عواد بالأحذية والبيض عند معبر رفح الحدودي مع مصر جنوب القطاع، بينما كان قادماً من مدينة رام الله في الضفة الغربية عبر القاهرة، ما اضطر الوزير إلى قطع زيارته إلى غزة. ودانت الرئاسة الفلسطينية «الاعتداء الآثم» على عواد، فيما وصفه أبو مرزوق بأنه «عمل غير مسؤول وغير لائق». ميدانياً، واصلت طائرات حربية إسرائيلية من طراز «أف 16» النفاثة ومروحيات «أباتشي» العسكرية الأميركية الصنع دك منازل الفلسطينيين وقتلهم قبل إعلان التهدئة وبعده، ما رفع عدد الشهداء إلى 195، والمصابين إلى 1410 جريحاً، جلهم من المدنيين. وقال مركز الميزان لحقوق الإنسان في بيان أمس، إن «من بين الشهداء 76 قتلوا داخل منازلهم، إضافة إلى فتاتين معوقتين داخل مؤسسة» لرعاية المعوقين. واستشهد أمس 6 فلسطينيين وأصيب آخرون بغارات على غزة، هم إسماعيل فتوح (24 عاماً) سقط بغارة في منطقة الزيتون، وصبحي عبد الحميد موسى (77 عاماً) في خان يونس، إضافة إلى أربعة فلسطينيين استشهدوا في غارتين إسرائيليتين على خان يونس. في المقابل، أطلقت فصائل المقاومة عشرات الصواريخ أمس على بلدات إسرائيلية من بئر السبع جنوباً وحتى حيفا شمالاً، كان آخرها مساء أمس، إذ سمع سكان مدينة غزة صوت صاروخ أحدث دوياً هائلاً عند إطلاقه. وقالت القناة العاشرة الإسرائيلية إن عشرات الصواريخ سقطت ظهر أمس في مدينة أسدود ومناطق غلاف غزة، بما فيها «شاعر هنيغيف» و «عسقلان» و «سدوت هنيغيف» وحيفا، فيما سقط نحو 10 صواريخ على جبال الكرمل للمرة الأولى منذ بدء العدوان على القطاع. كما سُمعت صفارات الإنذار في عدد من المدن وسط إسرائيل. وتبنت كتائب القسام في بيان «قصف أسدود المحتلة بثمانية صواريخ غراد». وتبنت سرايا القدس قصف مدينة «أسدود وبلدة «نتيفوت» بستة صواريخ «غراد»، فضلاً عن قصف «عسقلان» و «رعيم» و «كسوفيم» و «بئيري» وغيرها بعدد من الصواريخ أمس. كما واصلت كتائب الشهيد أبو علي مصطفى الذراع العسكرية ل «الشعبية» وكتائب المقاومة الوطنية الذراع العسكرية للجبهة الديموقراطية، إطلاق الصواريخ على المواقع العسكرية والبلدات الإسرائيلية المحاذية للقطاع في خطوات تشير إلى استمرار المقاومة ورفض المبادرة المصرية.