تلقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ضربة قوية، رغم أنه ينعم بأفضل فترات حكمه، من جهة لم يحسب لها حساباً، إذ لم تأته من جنرال «انقلابي» أو «أتاتوركي معارض»، ولا حتى من «الذئاب الرمادية» القومية أو «حزب العمال الكردستاني» المحظور. الضربة التي هزّت عرش أردوغان، أتت من القضاء، حليفه وشريكه في تصفية القوى «غير الديموقراطية». إذ نزل خبر استدعاء المدعي العام صدر الدين صاري قايا، رئيس الاستخبارات هاكان فيدان، الرجل الأقرب الى أردوغان وذراعه اليمنى، مثل صاعقة على الأوساط السياسية والإعلامية، خصوصاً أن فيدان دُعي للإدلاء بأقواله، بصفته مشتبهاً به، في قضية الجناح المدني ل «الكردستاني»، ولاتهامه بالتخابر سراً مع الزعيم المسجون للحزب، عبدالله أوجلان، وبأنه علم مسبقاً بهجمات شنها الحزب، من دون الإبلاغ عنها. والعقدة هنا تكمن في أن فيدان كان ينفّذ سياسة أمره بها أردوغان، وأقرّها مجلس الأمن القومي، للتفاوض سراً مع «الكردستاني»، ما يعني أن المقصود بالتحقيق هو أردوغان وسياساته. لكن فيدان رفض المثول أمام المدعي العام، معتبراً أن لا سلطة له في هذا الشأن. وقال في بيان: «يجب أخذ إذن من مكتب رئيس الوزراء. المسائل المطروحة تتّصل بواجبات الاستخبارات، ويجب إرسال التحقيق الى أنقرة». وكانت جهة مجهولة، سرّبت قبل شهور على الإنترنت تسجيلاً لجلسة مفاوضات بين فيدان وقيادات من «الكردستاني»، عُقدت في أوسلو العام 2007. ولم يكن فيدان حينذاك على رأس الاستخبارات، بل يشغل منصب مستشار رئيس الوزراء للشؤون الأمنية. كما اعتُقل أكراد أخيراً، ينشطون في التنظيم السري المدني ل»الكردستاني»، وتبيّن أنهم عملاء للاستخبارات التركية، زُرعوا في التنظيم. وتقول مصادر قضائية إن صاري قايا يريد استجواب فيدان ومساعدته آفت غونيش، والرئيس السابق للاستخبارات امره غونيش، بوصفهم مشبوهين، في شأن علاقتهم ب «الكردستاني» وسبب لقائهم قيادات الحزب، وتسهيلهم تواصلها في الخارج مع أوجلان في سجنه، من خلال رسائل مكتوبة، كما في شأن علمهم المسبق بنشاط التنظيم السري للحزب وهجماته المسلحة التي أدت الى مقتل عشرات من العسكريين. ورأى بولنت أرينش وبكير بوزداغ، نائبا رئيس الوزراء، أن استدعاء رئيس الاستخبارات للتحقيق في القضية، غير منطقي وغير قانوني، معتبَريْن أنه لا يحق للمدعي العام محاسبة رئيس الاستخبارات على سياساته، وأن الامر يحتاج توضيحاً. وشدد بوزداغ على أن اتصال الاستخبارات ب «الكردستاني»، أو اختراقها صفوفه، لا يشكل «جريمة»، بل «واجبها الأساس اختراق التنظيمات الارهابية وجمع معلومات». لكن ما حدث شكّل فرصة للمؤسسة العسكرية و «الأتاتوركيين»، للتشفي من الحزب الحاكم، مذكّرين بأن المحاكم الخاصة كانت سجنت مئات من العسكريين والأتاتوركيين، بتهم ملفقة ومن دون أدلة. ورأى أردوغان توبراك، نائب رئيس «حزب الشعب الجمهوري» (الأتاتوركي المعارض)، أن «تطورات محور الاستخبارات والشرطة والقضاء، تشيع انطباعاً بوجود صراع على السلطة». وثمة سيناريوات حاولت تفسير ما حصل، اشارت إلى احتمالين: أن ما حدث هو صراع على السلطة، بين الحزب الحاكم وجماعة فتح الله غولان، والثري المقيم في الولاياتالمتحدة، زعيم جماعة «النور» التي تؤكد المعارضة تغلغلها في أجهزة الدولة، باتفاق مع الحكومة، وسيطرتها على أجهزة الأمن والقضاء، وباتت تطالب بالسيطرة على الاستخبارات والجيش أيضاً. ويستشهد مروّجو هذا السيناريو، بردّ فوري للحكومة على طلب استدعاء فيدان، من خلال فصل مديرَين للأمن مقرّبَين من الجماعة ومتابعَين لقضايا «الانقلابات» العسكرية والتنظيم السري ل «الكردستاني». لكن آخرين يتحدثون عن سيناريو إسرائيلي للتخلص من فيدان الذي كانت تل أبيب هاجمت تعيينه رئيساً للاستخبارات، واتهمته بمحاباة إيران. وأدى فيدان دوراً مهماً في المفاوضات السرية وغير المباشرة، بين سورية واسرائيل العام 2007، بوساطة تركيا. وتتهم مصادر في «حزب العدالة والتنمية»، الاستخبارات الإسرائيلية (موساد) بتسريب التسجيلات الصوتية لاجتماع فيدان بقيادات «الكردستاني» في أوسلو، من أجل زعزعة الثقة به.