حق النقض «الفيتو» الذي استخدمته روسيا والصين، حال بين الأممالمتحدة وبين دعمها مبادرة جامعة الدول العربية الرامية الى وقف القتل وتسهيل انتقال سياسي في سورية. وجاء «الفيتوان» على رغم الجهد المنسق الذي بذله رعاة القرار للاستجابة لأكثر الاعتراضات مغزى، خصوصاً لناحية تكرار تأكيد استبعاد التدخل العسكري. لم يكن «الفيتو» ثأرَ مجموعةِ دول «بريكس» (التي تضم روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب افريقيا) على ما اعتقد بعضهم، حيث أيدت الهند وجنوب أفريقيا الاكثريةَ، التي بلغت 13 صوتاً ضد صوتين (وكانت البرازيل لتفعل الامر ذاته لو كانت لا تزال في المجلس). ووصفت السفيرة الاميركية سوزان رايس الفيتو الروسي والصيني ب «المُعيب»، وأنا أوافقها في ذلك. لم يكن القرار الدولي مثالياً، بيد أنه وفّر الأمل الأفضل في حشد ضغط دولي دائم على نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، وكان ليوجه إشارة قوية الى السوريين من كل الاتجاهات في شأن وجود إجماع دولي ينطوي -على الأقل- على بعض الأمل بظهور مسار سياسي، ورقابة تحظى بالتفويض على فرض وقف النار وتقديم تقارير منتظمة الى مجلس الأمن. ورأى مساندون كثر للمعارضة السورية، أن القرار أسوأ من عدمه، بما أنه لم يسمح بالتدخل العسكري، ولأن صيغته الأخيرة لا تدعو الأسد صراحة الى التنحي، لكنهم مخطئون، وأعتقد بأن العديد منهم يلاحظ ذلك الآن. سيقلص الفيتو دور الأممالمتحدة، وسيزيد احتمالات انحدار السوريين نحو حرب أهلية تغذيها الدماء التي تسفكها الأسلحة والأموال التي تتدفق على جميع الأطراف. وقبل التصويت، حذّرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من ان «المرحلة الأخيرة من اللعبة، وفي غياب عملنا معاً كمجموعة دولية، ستكون حرباً أهلية». هي على صواب، ففشل الأممالمتحدة لن ينهي الجهود الإقليمية والدولية للحد من الوحشية المتفاقمة، لكنه سيرغم مَن يبذل الجهود تلك على اتباع أقنية أقل شرعية من الناحية الدولية وأقل فاعلية. والفرص الضئيلة الحالية ل «هبوط سلس» في سورية، والتي تتضمن انتقالاً سياسياً يضع حداً للعنف، تقترب الآن من الانهيار الكامل. لا أعتقد اننا نتجه الى تدخل عسكري أميركي مباشر تدعو اليه مجموعة صغيرة من الصقور الليبراليين، ولا ينبغي ان يحصل تدخل، ولم يقدِّم أي مناصر للتدخل العسكري الأميركي أيَّ اقتراح بالكيفية التي يمكن ان تسفر فيها أعمال محددة عن النتائج المرجوة، أخذاً في الاعتبار طبيعة القتال. فلا يمكن ضربات جوية ومنطقةَ حظرٍ جوي أن تغير موازين القوى في بيئة حرب أهلية تخاض في مناطق كثيفة السكان، تفتقر فيها الولاياتالمتحدة الى مصادر استخبارات بشرية يمكن الاعتماد عليها. تذكروا ان حملة جوية احتاجت ستة أشهر لتنجح في ليبيا، وفي ظروف أحسن بكثير من السائدة سورية ومحيطَها اليوم. إن اقتراحات إنشاء المناطق الآمنة وفتح الممرات الإنسانية تظل غير صالحة للتطبيق العملي، بل ينبغي عدم السماح لمناصري العمل العسكري بنقل المسألة عند حصول التصعيد المتوقع، إلى التدخل البري -الذي يتفق الجميع على انه سيكون كارثياً على الأرجح- بعد فشل كل البدائل الأخرى. الشهية السياسية إلى التدخل العسكري تساوي صفراً، ويعسر عدم ملاحظة أن جميع المتحدثين في الأممالمتحدة، بمن فيهم مَن تكلم باسم الجامعة العربية وقطر، رفض التدخل العسكري رفضاً صريحاً. إنني أتوقع دعوات الى تزويد «الجيش السوري الحر» بالسلاح، أو أن يجري ذلك من دون ضجيج، ولكن لا ينبغي لأحد أن يُخدع بالاعتقاد بأن هذا الامر بمثابة البلسم الشافي من كل العلل. فتسليح الطرف الضعيف في حرب أهلية شاملة تعرضت للتدويل، يشبه المساهمة في تجميد الوضع أكثر مما يشبه فرْضَ نهاية سريعة وحاسمة. الدعم هذا، مضاف اليه وجود جيش واضحٌ بقاؤه موالياً وراغباً في القتل، الى جانب تكثيف الديناميات الطائفية التي يمكن المتفرجين البقاء بسببها على تأييدهم للنظام، سيجعل الحرب الأهلية تستمر طويلاً. ويمكن سورية التحول دوامةً إقليمية، على غرار لبنان في الثمانينات بعد مدّه بالمنشطات: حرب أهلية مديدة تغذيها شحنات أسلحة وتدخلات سرية من كل الأطراف وبالوكالة عنها. هل يعتقد أيٌّ كان بأن هذا مسار طيب؟ وبصرف النظر عن نتيجة المعركة في الميدان، لن تكون إعادة تأهيل سورية ممكنة في ظل نظام الأسد، لا إقليمياً ولا في المجتمع الدولي. * استاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، عن «فورين بوليسي» الأميركية، 5/2/2012، إعداد حسام عيتاني