«التاريخ يعيد نفسه» عند الحزب الجمهوري الاميركي وأدائه في الانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدة، فقبل اربعة اعوام كان ذلك الحزب حائراً امام الكاريزما الجارفة لباراك اوباما، واليوم، يبدو أنه لم يجد طريقه بعد للوقوف امام الرئيس اوباما وتقديم مرشحين قادرين على إشعال منافسة حقيقية معه. عن «تخبط» الاشهر الماضية في صفوف الحزب الجمهوري، علينا، على الارجح، ان ننتظر بعض الوقت حتى نشاهد خفايا هذه الفترة في اعمال سينمائية او تلفزيونية، اما عن أحداث ما قبل اربع سنوات، فيمكن الاطلاع على بعض تفاصيلها في الفيلم التلفزيوني «تغيير اللعبة» الذي يركز على الزمن الذي اعقب ترشيح سارا بيلين لمنصب نائب الرئيس الاميركي، والذي عرضته النسخة الاوروبية من قناة «اتش بي او» أخيراً. في المقابل، فإن وصول نائب للرئيس الأميركي من الجنس اللطيف قد تحقق على الشاشة الصغيرة قبل الواقع من خلال مسلسل «فييب» الذي بدأت قناة «اتش بي أو» عرضه منذ أسبوعين. الفيلم الأول ( تغيير اللعبة) أثار قبل عرضه الاميركي الاول في العاشر من آذار (مارس) الماضي ضجة كبيرة واعتراضات من المقربين من حاكمة ولاية الاسكا سارا بيلين، الذين اتهموا القناة التلفزيونية بالرغبة «الرخيصة» في الاستفادة من السباق الرئاسي الاميركي لجذب المشاهدين، اضافة الى اتهامات أخرى، عن «صدق» المعلومات التاريخية التي تقدم في الفيلم. هذه الانتقادات توقفت بعد عرض الفيلم الذي قدم صورة تراجيدية غير متوقعة للسياسة الاميركية المثيرة للجدل. كان يمكن سارا بيلين ان تكون مرشحة مقبولة لمنصب نائب الرئيس، لكنّها وبعدما وقع عليها معسكر مرشح الحزب الجمهوري جون ماكين في اللحظات الاخيرة ومن طريق البحث في الانترنت عن مرشحة مناسبة للمنصب لجذب الاصوات النسائية، تعيش في عالم معقد، ولن يكون سهلاً لسياسية مرشحة لمنصب رفيع في الدولة الاقوى في العالم، أن تنجح إن كانت لا تميز بين تنظيم «القاعدة» ونظام صدام حسين، وتعتقد ان ملكة بريطانيا هي التي تعقد الاتفاقات السياسية لبلدها مع العالم! لكنّ الفيلم لن يكتفي بتقديم تلك «الفضائح» عن «جهل» سارا بيلين، بل يولي ايضاً اهتماماً بشخصية المرأة، والتي بفضل تمثيل جوليان مور لها، نتعرف ايضاً الى جانب انساني غطته السخرية اللاذعة. أداء جوليان مور، بخاصة في المشاهد العائلية، مثل تلك التي تُظهر بيلين وهي تحمل ابنها الرضيع، وتلك التي تقدمها وهي تستمع او تشاهد الحملات الشرسة التي تناولتها وسخرت منها، تمنح شخصية السياسية الاميركية بعداً اعمق. الفيلم وإن كان لا يغفر لسارا بيلين الاخطاء الفادحة (بتسليط الانتباه عليها)، لكنه بالتأكيد يكشف الثمن الباهظ الذي يدفعه كثر من السياسيين عند دخولهم دائرة الاهتمام الاعلامي، وهو الاهتمام الذي يتحول الى قوة هائلة القسوة احياناً. في المقابل، فإن «فييب»، المرأة التي تتولى منصب نائب الرئيس الاميركي والتي يقدمها المسلسل الكوميدي الجديد الذي يحمل اسمها، هي شخصية خيالية. فالتاريخ الاميركي لم يعرف بعد نائباً للرئيس الاميركي من الجنس اللطيف. لكن الكوميديا التي يقدمها المسلسل، تملك جذوراً ليست بعيدة كثيراً عن كواليس السياسيين والخبراء الذين يحيطونهم والعاملين معهم. شخصيات هؤلاء المساعدين هي التي ستوفر معظم الكوميديا المتقنة في المسلسل الكوميدي الجديد، جنباً الى جنب «فييب» التي تلعبها واحدة من افضل الممثلات الكوميديات في اميركا: جوليا لويس دريفوس، التي عرفها الجمهور الواسع في المسلسل الكوميدي «ساينفيلد». ويمكن اعتبار مسلسل «فييب» كامتداد لمسلسل «بي بي سي» الكوميدي «ذي ثيك اوف إيت» الذي عرض قبل اعوام (قام البريطاني ارماندو ايانوتشي بكتابة المسلسلين)، مع وجود تغييرات نوعية، تعكس الاختلافات بين تركيبة المؤسسة السياسية البريطانية عن الاميركية. لكن الكوميديا التي يقدمها المسلسلان تملك القوة ذاتها، والتي تقترب من الصدمة التي ترجع عن كشف عالم اهل السياسة الداخلية. فهي تدخل الى مكاتب سياسيين وتقدم كوميديا تستند إلى التناقض بين العمل اليومي في تلك المكاتب، بتفاصيله وأخطائه، وصورة السياسيين الملمعة التي تظهر للعالم الخارجي، هذا مع السخرية في تقديم هؤلاء السياسيين، الذين تقترب شخصياتهم في المسلسلين من الكاريكاتور، بخاصة اذا وضعت بجانب تلك القوية لبعض مساعديهم.