لا يتيح تلفزيون الواقع إظهار النجوم والشخصيات العامة فقط، بل أيضاً الآخر الذي يشبهنا، على حد التعبير الفرنسي. وفي هذا الإطار يمكن إدراج برنامج «صنعة بلادي» الذي تبثه القناة المغربية الثانية للموسم الثاني على التوالي. ولا شك في أن القائمين على البرنامج وُفقوا في اختيارهم للحرف التقليدية كأساس للتنافس، فمدن مغربية كثيرة تشتهر بها، مثل فاس ومراكش وتطوان وأسفي- عاصمة الخزف - وتشكل جانباً مضيئاً وجاذباً في الثقافة المغربية. يعتمد البرنامج ككل البرامج التي تنتمي إلى هذه النوعية على بث حلقات أسبوعية ساهرة وفنية، إضافة إلى حلقات تعريفية يومية. الأولى بالطبع إقصائية، إذ يكون التباري والتنقيط من طرف لجنة مختصة من الحرفيين المختصين المعروفين. والثانية مواكبة لمسار المرشحين الذين يناهز عددهم الأربعين، ويُتابع كل عمل مقترح ابتداء من التصميم إلى الشكل النهائي. وتستعمل في ذلك قافلة تجول المدن للقائهم، علماً أن عشرة يتأهلون للتنافس في المباراة النهائية على لقب «أحسن متعلم صانع تقليدي». تتناول مجالات التباري حرف الجبص والخشب المعماري والزليج الخشب والمعدن والزربية والمنتوجات النباتية والخزف والجلد وصنف الابتكارات، أي كل المجالات التي تُحَول فيها المادة الخام إلى أداة. ويقدم البرنامج المناطق ك «مرعى للإبداع المثمر» عبر ما يصطلح على تسميته «الصناعة التقليدية الإنتاجية»، وفق التعريف الذي تقدمه وزارة الصناعة التقليدية، راعية وصاحبة البرنامج، والتي تتوخى منه دعم السياحة المغربية التي هي إحدى أهم ركائز الدخل الوطني، وتشجيع المهنيين على تطوير إمكاناتهم وتحسين منتوجهم بواسطة التنافس. ولعل الجديد الذي يقدمه البرنامج يتجلى في منح الصورة الحية للحرفيين العاديين من الشباب الذين يطلون للمرة الأولى في التلفزيون بعدما كانوا مجرد أياد عاملة بالمادة في محال مفتوحة على الشارع العام، أو داخل ورشات خلفية تبدو كالمشاتل أو خلايا النحل، كجزء من المعمار المديني، فلا يُلتفت إليهم، هم الذين يصنعون «المدينة» ووجهها، كما يُسهلون «طيب العيش» بفنهم المتوارث المتقن والتزييني. وهنا يتحول البرنامج إلى تقارير ذات علامات ودلالات إنسانية وفنية، لإبرازه المعطى الثقافي الإثنولوجي. وعلى رغم إيجابيات البرنامج، لا يسع المشاهد إلا أن يتذكر صور الحرفيين التقليديين في ورشات العمل التي تحتفظ ذاكرة المغاربة بالحالك منها في كثير من الأحوال. وهذا مما لا يقدمه البرنامج وإن عرضاً، وذلك كتقديم خدمة واجبة ومطلوبة، إلى جانب المشهد المشرق للمنتوج التقليدي في حلته الجميلة الجاذبة والصقيلة التي تسر الناظر أو تؤدي مهمتها الوظيفية. فالظروف التي يشتغل فيها الحرفي التقليدي غالباً ما تكون غير مساعدة له وقاسية الوقع إن من جهة التعب والوقت والتركيز والأجواء الصحية، على غرار عمال الجلد في حُفر الدباغة النتنة بلباسهم الرث وسيقانهم النحيلة كما تظهر في بطاقات الدعاية السياحية، أو عمال الجبص والخشب بوجوههم المضمخة بالمواد التي يعملون عليها. الإبداع نعم، ونعم للانتصار للحرفي الناجح المُبتكر، لكن حري أيضاً بمسؤولي البرنامج أن يدلوا بكل جوانب الحرفة التقليدية المنطلقة من أرض وإرث الأجداد ومن الأصل المؤسس لخصوصيات البلد، والتي تمنحه مكانة مميزة.