يعود المسلسل الكوميدي الفلسطيني «وطن ع وتر» هذا العام، من بوابة «داعش». المسلسل الذي يديره ويكتبه عماد فراجين ويمثل فيه الدور الرئيس، يختار العودة لهذا الموسم من بوابة دولة الخلافة الاسلامية في العراق والشام. تبدو عودته للوهلة الأولى «موفقة» مع ما تردد من أن حلقته الأولى قد حظيت بنصف مليون مشاهدة على موقع «يوتيوب»، وسبق لفضائية الفلسطينية أن بثتها مع بداية شهر رمضان الكريم. مشكلة فراجين وطاقمه التي تتكرر كل موسم، تكمن في نزوعه نحو «الهزل» الممنهج في معظم الحكايات التي يقع عليها. وقد تبدو كوميديا الموقف مواتية هنا في مثل هذه الحكاية التي تنطلق من حبكة واقعية مصوّرة هزت ضمير ووجدان كل من شاهدها أو سمع بها، حيث ألقى عناصر داعش القبض على ثلاثة سائقين سوريين عند الحدود السورية – العراقية في وقت سابق وقاموا بإعدامهم رميا بالرصاص لعدم تمكنهم من الاجابة عن أسئلة متعلقة بعدد ركعات صلاة الفجر. لم ينظر فراجين وصحبه في الرعب الذي ارتسم على وجوه الضحايا. ربما لم يقرأوا أيضاً المغزى من هذا الانكسار الانساني الذي أطلقه «صيادو اليوتيوب»، وهو مصطلح في حاجة لإغناء نقدي، حين هزّ الفيديو المصور ضمير كل من شاهده، ولو حاول وفعل، ربما انكمش هو نفسه على معالجة مختلفة لا تحتمل هذا التهريج الذي قد لا يحسب له حساب عند نصف مليون متفرج. ربما تتجلى الخطورة في مكان آخر. فقد يصبح «داعش»، وهو كذلك بحسب مواقع التواصل الاجتماعي، مادة للتندر والتفكه وإطلاق النكات السمجة وغير السمجة، وبالتالي مادة للانفصال النفسي عن واقع دموي يخوضه التنظيم الفاشي على جبهات عدة، لكن هذا شيء وما شوهد في البرنامج شيء آخر. خطورة التعاطي مع هذا التنظيم ليست بمنأى عن «تمرير» السم في الدسم. هذه أكثر من حكمة يمكن الاستعانة بها هنا. لا تحتمل الصورة أو المعالجة الدرامية لحادثة مأسوية مرعبة كتلك التي قضت على ثلاثة سائقين ينتمون إلى طائفة معينة هذا الفعل التهكمي الساذج الذي ينطلق منه أعضاء مسلسل «وطن ع وتر». ربما كنا ننتظر معالجة رصينة لا يقدر عليها فراجين بالتأكيد، فهو في منهجه وتفكيره الذي سار عليه منذ أطلق مسلسله يميل إلى نوع من كوميديا التهريج التي لا تتساوق مع معظم الأحداث التي تقع في دائرة اهتماماته. في الحلقة المشار إليها يتنافس «الداعشي» أبو قتادة مع زميله أبو حذيفة على القتل. تطالعنا حكاية قتل اللبناني الذي لا يعرف عدد ركعات صلاة الفجر، مع سماعنا لحديث ممجوج بين فراجين وزميله عن مغامراتهما المزعومة في شارعي الجميزة والحمرا البيروتيين، وكذا حكاية المسلم الذي لا يعرف عدد حروف الألف في صحيح البخاري، وأما المسيحي خوخة الذي سيجلب الحسنات المضاعفة للداعشيين بقتله، فإنه يقضي بنوبة قلبية ما يضيّع عليهما «أجرهما»، فقصته قصة، وليس الهزل المتعمد فيها أو في بقية القصص ما يمكن تقبله أو الاشادة به لمجرد الابتسام واطلاق الضحكات المؤيدة، أو الاكتفاء بنوع من الصرخات الخبيثة التي تقع عليها لحظة تمرير أفعال الداعشيين الكوميديين الصغار. لكن الأمور لن تقف عند هذا الحد، فهناك الشاب الاسرائيلي الذي يعبر من أمام أبو قتادة بسلام من دون عقاب أو تكفير، وكأن القائمين على المسلسل يريدون جرنا هنا إلى تقبل فكرة نمطية تؤكد تقاطع المصالح الاسرائيلية مع مصالح داعش، من دون ترويس معرفي مقنع، في ما تنتهي الحلقة بنهايتين: الأولى بتحريف سادي لأغنية من أغنيات راغب علامة: داعش بقربك أنا داعش الخ، والثانية في مكان آخر مختلف حين يفجر عناصر داعش الناقلة بعد قتلهم السائقين الثلاثة وسط صيحات التكبير والتهليل. أي حين يعود «وطن ع وتر»، إلى ذلك الحدث التراجيدي الذي انطلق منه. أما ما يتركه فراجين وأصحابه بعد هذه النقلة المتعثرة في تنظيم وسير الأحداث، فهو سهولة تقبل هذه الأفعال الاجرامية من دون معالجة صائبة ورؤيا. رؤيا ترفع أي عمل فني يقدم عليه أصحابه، أو تسقطه من حسابات نظرية الفن حتى لو جلب لأصحابه مليون مشاهدة على مواقع أضحت اليوم في حاجة ماسة الى مراجعات فوق نقدية لمعرفة الفرص الشاغرة التي يقوم عليها صيادو الفرص والمكافآت، وليس فقط من طريق الامتثال لها، وبالتأكيد سيمر وقت طويل قبل وقوعنا على عمل يفكك بدوره آلية عمل هذه المواقع التي تصنع غزواتها بطريقتها من قبل أن يولد «داعش» والتنظيمات الأخرى الموازية له في التقتيل والعنف والتكفير.