شكل الأمر الملكي بخصوص المقاتلين في الخارج والمحرضين على الإرهاب موضوعا للحوار بين السعوديين. كتب عن الموضوع المقالات، وحررت عنه التغريدات، امتدادا لنقاش طويل يعكس تطور المجتمع السعودي وحراكه الفاعل، دون أن نغفل أثر الجدل الساخن بين تياراته على هذه النقاشات. ما لفتني مجددا، هو أن فرصة نفاذ الأمر التي تبدأ بعد شهر من نشره في الجريدة الرسمية، تفتح مجالا لنجاة الكثيرين من المغرر بهم، من العقوبة المغلظة على الأقل، إن لم ينجوا من العقوبة كلها. باتت الفرصة كبيرة اليوم، أمام أهالي المشاركين في بؤر التوتر، وسوريا هي الرقم واحد اليوم لهذه البؤر، للمساهمة جدياً في إنقاذ فلذات أكبادهم من المصائر المأساوية، والنهايات السلبية، نهاية بالقتل، وليس بداية بمواجهة العقوبات التي شرعها الأمر الملكي. بعض الشر أهون من كله، وأمام الأسر التي يشارك أبناؤها في القتال الدائر في سورية، فرصة الاستفادة من التطور التكنولوجي، والتقدم المعرفي، فمقاتلو سوريا يتمثلون أمامنا يوميا، من خلال حسابات تويتر وفيسبوك، وبالتالي فإن التواصل معهم بات متاحا بشكل لا يمكن مقارنته بمقاتلي العراق، فما بالك بأفغانستان قبل عقد وأكثر! لا يجب أن نحمل الأسر المكلومة ببعد أبنائها، ومستقبلهم المجهول، أكثر من طاقتهم. لكننا نذكرهم بأن ظروفكم اليوم، أفضل بكثير من ظروف أشر لم تكن لديها فرصة التواصل مع أبنائها وسماع أصواتهم، إلا مرة كل سنة تقريبا، هذا إذا سلم الله الابن ليحيا ويتحدث مع أحد والديه، أو مع فرد من أسرته. إن الضربات المتوالية التي تعرضت لها (داعش)، وفتت أتباعها وشرذمتهم في نواح متفرقة، وبالذات في تركيا، بعد ضربات لهم في شمال سوريا، يمكن أن تفتح مجالات للرجوع لكثير من الداعشيين السعوديين، والاستفادة من المهلة في الأمر الملكي، ولعل عودة (السمبتيك) للبلاد، بعد تواصل أسرته معه، أبرز دلالة على ذلك. المحرضون على ذهاب الأبناء إلى ساحات القتل، وبؤر التوتر، لا يسرهم أن يكون لدى أحد من المتأثرين بهم فرصة للرجوع. لأن هذا يضعف من قوتهم، ويقلل من تأثيرهم، وبخاصة وهم لا يتكبدون معاناة الأهل، ولا يعانون لوعة الفرق، ولا يذرفون دموع الحسرات. بل إن أجندتهم أن يبقى من حرضوهم ترسا في آلة الحرب. الفرصة متاحة، لتدارك ما يمكن إنقاذه، ولا يعرف الألم أحد مثل من يعانيه، ولا يقدر حجم المأساة أحد مثل من يتحمل الضرر الكامل. القصة تتجاوز تقاذف كرة النار بين تيار وآخر، إلى قلوب لوعها الفراق، ونفوس أحرقها البعد، ونرجو أن لا يكويها الفقد!