متأخرة جداً جاءت تحذيرات نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ زكي بني أرشيد من تشكل نواة لتنظيم جديد داخل هيكل الجماعة الأم، والتحذير مبني على معلومات، وعلى تقديرات تقول أن الجماعة إن لم تدرك التغيرات فإن القطار قد يفوتها، إلى اللاعودة والإضمحلال. إذ أنها تعيش اليوم الكثير من العقد الموروثة التي جعلتها طول السنوات الأربع الماضية لا تسمح بأي صوت معارض داخلها لسياسات شيوخها الكبار المتشددين في علاقتهم مع الدولة، والذين أوضح الملك عبدالله الثاني في أكثر من لقاء أنهم يقولون له كلاماً، ويخرجون للسفراء ويقولون كلاماً مناقضاً، فهكذا أزمة ثقة تتحمل مسؤلياتها القيادات الإخوانية، وليس ملكاً أو دولة دعتهم مراراً للحوار ورفضوه يوم اغتروا بقوتهم بمصر وتونس، واليوم همّ من يطلب لقاءات المسؤولين، ويتذكرون أن هناك مرافق للدولة رسمية يريدون عقد مؤتمراتهم بها، بعد أن قالوا نحن ننتظر تغيير بنية النظام بالشارع والميادين بيننا. فتخيلوا هم وأنصارهم من الكتّاب بأن مفهوم المجال العام يعاد اختراعه على مقاس الإخوان وحدهم. فما الذي يحدث داخل جماعة الإخوان في الأردن، وما هو حجم غضب الشباب وما آثار فصل قادة «مبادرة زمزم» على مستقبل الجماعة؟ وما هي افكار المؤتمرات الأخيرة والتي عُقدت في الشمال الأردني كرد فعل على تراجع التنظيم. إن المؤكد أن سجل المحاكمات التي تعرضت لها مجموعة من الشباب الإسلامي المجتهد في الأردن داخل فكر الجماعة والذي بدأ منذ أنطلاقة الربيع العربي وحتى اليوم، سيثمر حالة من النضوج الواجب بحق التمرد او الاستقلال عن تنظيم الجماعة المحكوم بمرجعيات متشددة اليوم. وعلى الأقل هناك تنظيمان للشباب ولدا داخل الجماعة في فترة الربيع العربي وكلاهما يمثل اتجاهاً: واحد متنور متجدد قابل لفكرة الدولة المدنية ويفهمها، وآخر محسوب على المرجعية المتشددة، ولكن الغالبية اليوم في شعب الإخوان في الأرياف من القسم الأول وهم شباب يميلون للإنعتاق من التشدد. عمر الشباب التنظيمي الطويل نسبياً، هو أحد أسباب الحنق والغضب، على التقليد والجمود، فالشاب الإخواني حين يلتزم بالجماعة يحتاج لوقت طويل من العمر التنظيمي كي يسمح له بممارسة دور فاعل في تحديد مسار الانتخابات واتخاذ القرارات في الجماعة، فالسن التنظيمية للتصويت هي خمس سنوات، وما قبل الخمس سنوات على الشاب أن يقطع مرحلتين هما سنوات ثلاث أولى تسمّى «العمر التكويني» تليها ثلاث أخرى تسمّى «العمر التمهيدي» ثم يدخل العضو الشاب بما يسمّى «العمر التنظيمي»، بمعنى أن الشاب يقضي في صفوف الحزب أكثر من عشر سنوات ليكون قد استحق تبوّؤ مواقع متقدمة في الجماعة وحتى في الحزب أو المشاركة الفاعلة بالقرار والانتخاب. هذا العمر الطويل للفاعلية السياسية، مع مشاهدات الشباب للتسويات وحل الخلافات داخل الجماعة بالترضيات، والخجل في معالجة الإنقسام الذي تكرس بعد العام 2003، والمواقف المتضاربة من الوضع السياسي العام، والقرارات الأخيرة داخل الجماعة والتي اعتبرت مجحفة بحق من خدموا التنظيم ورد الفعل عليها في شعبة الشمال والتهديد بشلل تنظيمي في مناطق الشمال الأردني، تؤكد أن القادم سيكون اعظم داخل بيت الجماعة، وهو ما تكرس في اجتماع الجماعة الإصلاحي الذي عقد في السابع من أيار(مايو) الماضي، والذي أكده اللقاء الإصلاحي في الثلاثين من أيار، وهما لقاءان أكدا على أن جماعة الإخوان في الأردن لا تشهد نوعاً من المراجعة الفكرية بقدر ما تشهد تمرداً داخلياً عنوانه اسقاط الكبار وعناصر التأزيم والعقليات المتشددة. فاللقاء الذي عقد في إربد يوم الخميس 8/5/2014 وحمل اسم «مؤتمر إربد الأول» في مقر حزب جبهة العمل الإسلامي والذي ضم ممثلين عن 8 شعب، رأى فيه بعض قيادات الحركة الحاليين بداية الانقلاب ضدهم وفي أكبر شعبهم التنظيمية تأثيراً. اللقاء حدد أسباب الخلل في ورقة عمل طرحت للنقاش من أجل استعراض واقع الحركة في الاردن وأزماتها، وفي ذلك اللقاء كان ثمة تأكيد على وجود العقلية المغلقة التي ما زالت تعيشها قياده الجماعة الحالية، وتأكيد على أن الجماعة تمر بمنعطف حرج يؤكد ازمة الشباب وأزمة التنظيم مع الشباب أيضاً، إذ أشارت الورقة إلى تناقص أعداد المنتظمين في الجماعة قياساً للنمو السكاني، حيث أن ارتفاع متوسط أعمار أعضاء الإخوان عن ما يزيد 40 عاماً مما يدل على أن نسبة الشباب تتضائل، وهذا ما أدى إلى ضعف الدافعية والقدرة على المبادرة داخل التنظيم. ولكي تأخذ الحركة جدية بأفكار مؤتمر إربد الأول، وخروجاً على اسلوب القيادة الحالية بالتخوين والتهم عقد «مؤتمر اربد» الثاني في 30/ 5/2014 برئاسة المراقب العام السابق المعتدل عبدالمجيد الذنيبات، وأكد المؤتمرون الذين زادوا عن مئتي شخصية ممثلين لعشرين شعبة إخوانية على توصية المؤتمر الأول بتغيير القيادة الحالية المتشددة، وطالبوا باختيار «قيادة توافقية جديدة» بدلاً من الحالية في الجماعة، و «إبعاد» عناصر من وصفوهم بوجوه «التأزيم» عنها من مختلف الاتجاهات، معلنين عن تنظيم مؤتمرات مماثلة أخرى خلال الفترة المقبلة. واتفقوا في مؤتمرهم الذي حمل عنوان «إصلاح جماعة الإخوان المسلمين من الداخل» على ضرورة «حل أي تنظيم داخل التنظيم الإخواني». في المحصلة إن التنظيم الإخواني الأردني يشهد تراجعاً ملحوظاً، وبخاصة بعد ان التقت أخيراً قيادات اخوانية متشددة رئيس مجلس النواب، في محاولة لترطيب العلاقات من جديد مع الدولة، ولكن ذلك التحرك لم يلق أي رد فعل رسمي، بل على العكس كان رفض الحكومة لطلب الحركة بعقد مؤتمرها العام في إحدى قاعات الدولة الرسمية تأكيداً على أن الدولة وعقلها السياسي غير معني بتغير موقف الإخوان اليوم والذين يواجهون عدة تحديات: شبابهم الثائر، محاكم التفتيش وسمعتها وبخاصة بعد فصل قادة مبادرة زمزم رحيل غرايبة ونبيل الكوفحي وجميل دهيسات وهم وجوه معتدلة، وثالثة الأثافي صدّ الدولة عن كل مبادرات الرجوع لما كانوا عليه من علاقة ودية قبل الربيع العربي، وفي الإقليم تحديات أخرى ليس أقلها ضرراً خسارتهم مصر وعودتهم خلف القضبان. في مثل هكذا ظروف ليس على الحركة الإسلامية في الاردن، إلا التجديد ودحر القيادات المأزومة، والاستجابة لمطالب الجماهير المنظمة والتي تدرك اليوم أن الجماعة إذ ظلت في طريقها المغترب وطنياً، ستخسر علاقة تاريخية مع منظومة الدولة الأردنية بدأت منذ العام 1947. * كاتب أردني