تكفي مشاهد قليلة من المسلسل التركي المدبلج «حريم السلطان» لتثير مجدداً تساؤلات حول مدى صدقية المسلسلات «التاريخية» ومدى تعبيرها حقاً عن زمنها. لمن لا يعرف الحكاية، ولا يدري أين أوقعته يداه وهي لا تنفك تكبس الأزرار، سيظن لوهلة أنه وقع على حفلة تنكرية وهو يبصر شاباً ملتحياً تائه النظرات، مرتبكاً في مواقف لم يؤهل لها وثقيل الحركة في ملابس «معقدة» لم يعتد عليها، وفي ديكور أريد له أن يكون سلطانياً. ثم لا يلبث ان يطرأ تحول على نظرة هذا المشاهد العابث بجهاز التحكم، عند ظهور إمرأة شابة جميلة تصرخ بخادمتها، بلهجة شامية معتقة لا تتناسب مع الموقف ولا مع صاحبته التي بدا انها ذات مركز، قائلة: «هلأ شوفي لي هالجارية، قامت على حيلها؟»، فيظن ان ما يراه هو دراما هزلية من نوع خاص. لكنه لا يلبث، (المشاهد)، أن يتبين مدى فشله بالتخمين عندما يظهر في المشهد التالي منادٍ في ردهات القصر وهو يعلن قدوم «جلالة السلطان المعظّم سليمان»، فيدرك هنا أنه أمام مسلسل تاريخي، وأن هذا الشاب الذاهل لم يكن سوى السلطان نفسه، أما الشابة فليست سوى زوجته الرسمية الغيورة، فيما الجارية هي معشوقته المفضلة. «حريم السلطان» الذي تعرضه «قناة دبي»، قُدم على أساس انه «اضخم إنتاج تركي ملحمي»، و «قصة السلطان سليمان» كما لم نشاهدها من قبل (في هذا هم محقون تماماً)، وهو يتناول قصة حياة السلطان سليمان القانوني الذي أوصل بحكمه الدولة العثمانية إلى ذروة مجدها في القرن السادس عشر. لكن الأحداث التي تدور معظم الوقت في الحرملك السلطاني، لم تترك مجالاً لظهور ما ينبئ بوجود سلطان عظيم، بل رجل مشتت بين قصص الحريم. وساهم الأداء الضعيف للممثل في إبعاد الصفة الأسطورية للشخصية. أما الإخراج فبدا عبر مشاهد قليلة هزيلاً لا يتقن سرد الحدث التاريخي ويكتفي بالملابس والديكور لتحمل عبء التعبير الزماني، فجاءت الشخصيات معاصرة ولكن في ثوب قديم، أبعد ما تكون عن الإقناع. وما زاد الطين بلة هو الدبلجة التي أضفت جواً غريباً شديد الافتعال، وربما لو استعملت اللغة الفصحى لناسبت أكثر أجواء بعيدة ومكاناً يحيط به الغموض. ليس مستغرباً ان يثير مسلسل «حريم السلطان» جدالاً واسعاً في الشارع التركي، كما ذكر موقع «قناة دبي» الإلكتروني، «لما يطرحه من خصوصيات وقضايا تمسّ صميم أحد رموز التاريخ التركي وهو السلطان سليمان القانوني»، فهذه الشخصية التاريخية لم تظهر على مستوى عظمتها حتى وهي خارج الحرملك. الإعلان عن المسلسل يفيد بأن المشاهد يحظى به «للمرة الأولى في الشرق الاوسط»... كل ما نأمله هو أن تكون الأخيرة ايضاً، إن لم تحدث مفاجأة ويرتفع مستوى الحلقات.