أقر مجلس الشيوخ الفرنسي امس مشروع قانون يحظر نفي تعرض الأرمن لحملة ابادة عام 1915 وذلك على رغم ما يتوقع من ان يؤدي ذلك الى تفاقم للأزمة مع تركيا التي تجد انها مستهدفة بهذا القانون. وينص مشروع القانون الذي سبق ان أقرته الجمعية الوطنية الفرنسية في 22 كانون الاول (ديسمبر) الماضي بناء على اقتراح قدمته النائبة عن حزب «الاتحاد من اجل الحركة الشعبية» (اليمين الحاكم) فاليري بواييه على معاقبة من ينفي ابادة حوالى 500 ألف ارمني من جانب الأتراك (العثمانيين) بالسجن لمدة تصل الى سنة وبغرامة قدرها 45 الف يورو. وكانت فرنسا اقرت عام 2001 بحملة الإبادة بحق الأرمن لكنها لم تحظر نفيها بموجب القانون، مما ادى الى ارتفاع عدد من الأصوات المنتقدة لمشروع القانون الجديد وذلك في الوسطين البرلماني والحكومي. لكن اجواء حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة في الربيع المقبل، حملت ابرز المتنافسين على الرئاسة وهما الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي والمرشح الإشتراكي فرانسوا هولاند على دعم مشروع القانون مراعاة لمشاعر الجالية الفرنسية من اصل ارمني التي يبلغ تعدادها حوالى 600 الف شخص. وبالتالي، فإن معارضة مشروع القانون او تأييده تجاوز نطاق التجاذب التقليدي بين الحزب الحاكم والمعارضة اليسارية وتحديداً الاشتراكية، فتم تبني مشروع القرار في مجلسي النواب اولاً ثم الشيوخ بأصوات يمينية ويسارية على حد سواء مثلما عبرت اصوات من كلا الصفين عن معارضتها له. وعلى غرار ما حصل في البرلمان اقر مشروع القانون في مجلس الشيوخ بأصوات عدد ضئيل من اعضاء المجلس الذين اختار الكثير منهم التغيب عن جلسة التصويت تفادياً لاتخاذ موقف قد يتسبب لهم لاحقاً بالحرج. وعبر الأعضاء ال16 في مجلس الشيوخ الذين يمثلون الحزب «الراديكالي اليساري» وممثلي حزب انصار البيئة عن معارضتهم للقانون الذي شجبه ايضاً ممثلون عن اليمين الحاكم ومنهم رئيس الحكومة السابق جان بيار رافاران والرئيس السابق لمجلس الشيوخ جيرار لارشيه وسيرج داسو. أما في الوسط الحكومي، فإن مشروع القانون لم يلق حماسة من وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه الذي اعتبر انه «غير مناسب» ووزير الزراعة برونو لومير. ويثير مشروع القانون جدلاً في الوسط الثقافي والإعلامي الفرنسي حول جواز تعاطي المشرّعين قضايا على صلة وثيقة بالذاكرة والتاريخ والفصل بها بواسطة القوانين. في الوقت ذاته، يثير رد الفعل التركي والتهديدات التي تواكبه بإجراءات عقابية بحق فرنسا إرباكاً مؤكداً في وزارة الخارجية الفرنسية التي دعا الناطق باسمها برنار فاليرو امس مجدداً الى التهدئة واصفاً تركيا بأنها «حليف مهم جداً» لفرنسا. وأضاف فاليرو: «اننا نعلق اهمية بالغة جداً على مبادلاتنا مع انقرة خصوصاً في ما يخص القضايا الدولية والإقليمية مثلما اننا متمسكون بتطوير علاقاتنا في المجالات كافة». وكانت تركيا جمّدت تعاونها العسكري والسياسي مع فرنسا عقب تبني البرلمان الفرنسي مشروع القانون الشهر الماضي كما استدعت سفيرها في باريس للتشاور. والتخوف الآن هو ان يلجأ الجانب التركي بعد تصويت مجلس الشيوخ على قرارات اكثر جذرية في وقت تحتاج فيه فرنسا الى تركيا ودورها في المنطقة خصوصاً بالنظر الى تطورات الوضع السوري.