أخطأ نواب الأكثرية الحاكمة في فرنسا بالتصويت في الجمعية الوطنية على قانون يعاقب على إنكار وقوع إبادة عرقية بحق الارمن لعدد من الاسباب: اولاً هذا التصويت يأتي لأسباب انتخابية بحتة، فأصوات الارمن في الانتخابات الرئاسية في غضون اربعة اشهر في فرنسا وبعدها التشريعية تمثل حوالي 400 الف ناخب. كما يأتي التصويت على القانون في وقت غير مفيد ومناقض لعمل فرنسا على الصعيد الدبلوماسي مع تركيا، فقبل اسابيع من هذا التصويت قام وزير الخارجية ألان جوبيه بزيارة ناجحة الى تركيا للبحث في تحرك مشترك لايجاد حلول للأزمة السورية. والآن بعد هذا التصويت لم يعد بإمكان فرنسا ان تتحرك مع تركيا، مما جعل جوبيه يصف هذا التصويت بأنه غير مفيد وغير منتج، فقد يكون توقيت هذا التصويت مناسباً لعدد من نواب مرسيليا والجنوب الفرنسي، الحريصين على اصوات ناخبي الارمن، ولكنه يدخل في حسابات خاطئة للرئيس الفرنسي الذي يطمح الى لعب دور على الصعيد الدولي مع الأتراك، خصوصاً ان الارمن يصوتون تقليدياً لليمين الفرنسي. ثانياً، أن نص هذا المشروع يناقض جميع التزامات فرنسا بعدم الخوض في قوانين تتعلق بذكرى مجازر وقعت في مراحل تاريخية سابقة، ففي عام 2008 التزم رئيس الجمعية الوطنية برنار أكواييه في تقرير اصدره بعدم التصويت على قوانين من هذا النوع، وقد تم عكس ذلك في التصويت الاخير. وهناك أيضاً دافع آخر لهذا القانون، وهو أن الأكثرية في مجلس الشيوخ الفرنسي اصبحت بعد الانتخابات الاخيرة مع اليسار، أي المعارضة الاشتراكية لحكم الرئيس نيكولا ساركوزي. وقبل ذلك عندما كانت الاكثرية في المجلس يمينية في الخريف الماضي، كان بإمكان ساركوزي ان يعتمد على مجلس الشيوخ للتصدي للقانون، اما الآن، فقد ألمح مجلس الشيوخ اليساري إلى أنه سيصوت على القانون ولو انه رأى فيه سلبيات، ولكنه يعتبره تحركاً لإزعاج ساركوزي. هذه الاسباب الانتخابية البحتة دفعت الى اخراج هذا القانون من الثلاجة الفرنسية حيث كان فيها منذ 2007. وبهذا التحرك كان الرئيس ساركوزي يدرك انه سيثير غضب الاتراك وانتقامهم، وهم ادانوا فرنسا لارتكابها مجازر في الجزائر وذكروا ايضا رواندا. والاتراك يلجأون ايضا الى ايقاف عقود مع فرنسا كانت بكل احوال متعسرة حيث لم تكن فرنسا من بين الفائزين المحتملين. وهناك تخوف من ان تخسر فرنسا بعض المصالح الاقتصادية في تركيا، خصوصا ان هناك فائضاً في التجارة بين البلدين لصالح فرنسا. وهذا الحساب الانتخابي الفرنسي يكلف فرنسا عدم التمكن من العمل الدبلوماسي مع تركيا على ملفات الثورات العربية من سورية الى ليبيا وعلى صعيد الشرق الاوسط وهذا لاسباب انتخابية غير مضمونة بكل الاحوال، لأن احتمال وصول الاشتراكيين الى الحكم في فرنسا وارد بقوة.