لن يقف الإسلاميون في مصر عند تحريم الفن، لا بل لن يمنعوا انتاج الأفلام والمسلسلات بصيغتها الحالية، لكنهم سيقفون بقوة وراء انتاج أفلام ومسلسلات الخير، ولن يكون الفيصل في اعطاء شرعية لهذه المسلسلات إلا ما يقع حتما بين الحلال والحرام. هكذا تطالعنا أوساط التيار الإسلامي الصاعد في أرض الكنانة كل يوم بتطمينات من هذا النوع، ونحن نقف على أعتاب الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة 25 يناير، ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع شيئاً جديداً، ربما لا يبشر بالخير عموماً، والأسوأ بالطبع هو ما يردنا من الأوساط الفنية، التي يُعِدّ بعضهم فيها العدة للانقلاب على المرحلة الماضية، والاعلان عن استراحة جديدة مطولة على أبواب الإسلاميين الذين لن يحرّموا ما سينتج من أعمال فنية، كما يقولون حتى الآن، وانما سيؤكدون على ضرورة وأهمية أعمال الخير، التي لا نعرف لها تعريفاً واضحاً أو هوية، وهي ستبدو مثل نثر خطابي فارغ في الهواء، لا معنى ولا قيمة له، وإن كانت مسايرة فنانين كثر لهذا الخطاب ستجيء حتماً من باب ملازمة الحالة الهلامية نفسها التي ترافق هذا الصعود والتأجيج، مما سيترك أثراً سيئاً على الساحة الأدبية والفنية عموماً، طالما أن هناك أصواتاً بين الداعين لهذه «الأعمال الخيّرة» ترى في كل الأعمال التي أنتجت حتى الآن «دعارة»، وينبغي تحريمها، تمثيلاً وغناء وكتابة... إلخ. ليس في جعبة هؤلاء الشيء الكثير على هذا الصعيد، وهذا أمر متوقع منهم على أي حال، ولطالما قامت رموزهم بالتعبير على واقع الحال الملازم والملزم لهم بقول ما يمكن قوله في هذا المجال، والتاريخ الذي لا يشفع لهم هنا، أطلعنا في مرات سابقة على تصريحات وفتاوى معبرة لا يمكن القفز عنها في أي محاكمة سيقيمها التاريخ نفسه، وهو يعد العدة بدوره لعمل كشف عما آلت إليه الأوضاع بعد 25 يناير، وتحديداً بعد مرور عام عليه. واذا كنا سنقف من الآن فصاعداً على أفلام ومسلسلات الخير التي يعدوننا بها، فمن المشوق أن نقف من الآن على أسماء الفنانين والفنانات والكتاب والمغنين الذين سيعملون ضمن هذا النهج، ومن منهم سيعلن التوبة عن أعمال سابقة له، وقد سلمنا فعلياً بما يعدنا به التيار الإسلامي الصاعد في مصر، ولم نسلم حتى اللحظة بالقائمة التي ستطول، ونحن نفاجأ بأسماء تعلن انقلابها على كل ما سبق، وتدخل في «حظيرة» أفلام ومسلسلات الخير، وتعلن مثلاً أن كل ما كتبه نجيب محفوظ للسينما أو للناس، ليس سوى «محض دعارة أدبية وفنية».