حذّر وزير العدل الإعلام من أسلوب الإثارة الإعلامية في تناول الموضوعات القضائية بقوله، إن الإثارة لا تكون على حساب سمعة جهاز العدالة، وقال: إن من الطبيعي أن يُستهدف القاضي بالنقد من قبل الظلمة، وآكلي أموال الناس وسالبي حقوقهم. ما لفت نظري أن الوزير هدد بمقاضاة الصحافيين -الذين لا أظن أنهم من الظلمة ولا من آكلي الأموال ولا من سالبي الحقوق- ودلل على صحة هذا الإجراء بإشارة إلى صدور أحكام قضائية صارمة ضد المتجاوزين على القضاة في كثير من دول العالم أدت إلى إفلاس بعض المؤسسات المتسببة، وتعرض أفرادها إلى الحكم الجزائي. مما يفتح هذا التحذير على إمكانية أن نستشهد نحن أيضاً بما يحصل في قضاء الدول الأخرى، الذين يحتكمون إلى وضوح أنظمة مقننة تبين لهم خطوط التجاوزات، وحجم المخالفات بما لا يتناقض وحرية النشر. نتفق مع وزير العدل برفض الأخبار الكاذبة التي تتعمد تضليل الرأي العام، وتسيء في الوقت نفسه إلى سمعة القضاء، إلا أننا بحاجة لنظام مقنن يضبط الأمر دون أن يعتدي على حرية الصحافة في النقد والمحاسبة حماية لحق المواطن في التمتع بجهاز عدل يحترم الشفافية من أجل مصلحة الوطن. وزير العدل شدد على أهمية سمعة القضاء، وأنا هنا أؤكد لمعالي الوزير أن المواطن يعرف حجم الخسارة الفادحة ألا يحظى قضاؤه بسمعة جيدة، لأن غياب العدل في الأحكام أو الإجراءات يجعل المواطن هو أول الخاسرين. أنا مع الوزير في أن من مصلحتنا أن يبقى جهاز القضاء ناصع السمعة، لكن هذا لن يحدث إلا بالتعاون مع كل الأطراف على تصحيح مسار نظن أن الزلل فيه محتملاً، خاصة أن القضاء يواجه مشكلة في عدد القضاة يؤثر في كفاءة أداء المؤسسة القضائية من حيث سرعة الإنجاز وجودته، فآخر إحصائية تشير إلى أن نسبة قضاة وزارة العدل وديوان المظالم واللجان العمالية هي 4 قضاة لكل 100 ألف مواطن من السكان، بينما متوسط عدد القضاة في الدول التي شملتها الدراسة 26 قاضياً لكل مئة ألف مواطن، كما أننا بحاجة لما يقارب 20 ألف قاضٍ ومحامٍ لو اعتمدت المحاكم المتخصصة، كما أن تأخر تطبيق العمل بمشروع قانون الأسرة الذي وقعت عليه المملكة سيظل باباً مفتوحاً على القضاء ومراجعه ما قد يتسبب عن غيابه إذا كان هذا هو الحال يا وزير العدل، فعلى وزارة العدل أن تتحملنا بسعة صدرها، وتعتبر أن نقد الصحافة هو مؤشر إيجابي وليس سلبياً، كما أن محاكمة التجاوزات الصحافية ضرورة، لكنها تحتاج لنظام مدني متوافق مع وظيفة الإعلام ودوره. وقبل أن أختم مقالي أود أن أسأل معالي الوزير، ماذا يفعل جمهور الإعلام مع تلك الأحكام المتفاوتة في قضيتين متشابهتين يصل حكمها في أن يعدم قاتل مغتصبه، وأن يحكم على قاتل زوجته الشريفة ب12 سنة سجن، أو في حكم قاضٍ على سيدة بالسجن لأنها اختارت أن تعيش مع والدتها ورفضت العيش مع والدها بسبب قسوته؟ صحيح أن أحكام القضاء هي تشريعات لا يقوم بها غير المختصين، لكن العدل فطرة يتوق الناس إليها، ويقلقهم تفاوت أحكامها المريع. [email protected] Twitter | @badryahalbeshr