كثيرة هي الاسئلة التي لم تطرح خلف الابواب المغلقة على المشاركين في الاجتماع الرفيع المستوى الذي نظمته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (اسكوا) على مدى يومين، في فندق «فينيسيا» في بيروت، تحت عنوان «الاصلاح والانتقال نحو الديموقراطية» في العالم العربي، وكثيرة ايضاً كانت الاسئلة التي طرحت في جلسة علنية أُختتم فيها النشاط العربي - الدولي، ولم تجد لها إجابات. فعمليات الاصلاح والانتقال الى الديموقراطية لا تزال تخطو خطواتها الاولى في الدول العربية التي اثمرت ثورات شبابها خلع انظمة حاكمة، والبدائل «الاسلامية» التي انتجتها العملية الانتقالية في هذه الدول خلّفت صدمة وهواجس... واضافت التركة الثقيلة للأنظمة الفاسدة عبئاً آخر الى استحقاقات التغيير المطلوبة. وبدا اجتماع «اسكوا» مدركاً في تنظيمه للطاولات المستطيلة والمستديرة، التي تحلقت حولها قرابة 50 شخصية عربية وأجنبية على مدى ساعات طويلة، الى ان الطريق الى الاصلاح الديموقراطي «طويلة ومحفوفة بالصعوبات»، حتى ان الصعوبات تجلت من خلال النقاشات، ما دفع بالأمينة التنفيذية ل»اسكوا» الدكتورة ريما خلف الى القول لمشاركين في الاجتماع، في تقييم اولي للنشاط: «كان هناك تنوع وآراء مختلفة وهذا مفيد». والنقاشات التي امتدت من الاحد الى الاثنين ولساعات طويلة وحجبت عن الاعلام بحجة ترك الحرية للمشاركين للادلاء بآرائهم، لم تكن فكرة صائبة كما قال بعضهم، ذلك ان التحفظ بقي على حاله من جانب سياسيين عرب كثر أدلوا بآرائهم داخل الاجتماع، فامتنعوا عن احراج بعضهم بعضاً وشكلت الكاميرا العائدة الى «اسكوا» لتسجيل وقائع الاجتماع، دافعاً آخر للتحفظ. وما لم يرشح الى الاعلام، تكشّف في الجلسة العلنية التي عقدت قبل ظهر امس، وشارك فيها: السفير المغربي لدى لبنان علي اومليل، الرئيس السابق للحكومة اليمنية عبدالكريم الارياني، المرشح الى رئاسة مصر الامين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، ووزير خارجية تونس رفيق عبدالسلام، الوزير السابق للاعلام في السلطة الفلسطينية مصطفى البرغوتي والناشطة الحقوقية في ليبيا نعيمة جبريل، وأدارتها خلف، وحضرها جمهور بعضه من المشاركين وبعضه الآخر كان دعي فقط لحضور جلسة الافتتاح. وطرحت خلف اسئلة كانت بحثت عن اجابات عنها منذ عام 2002، حين اعدت مع خبراء آخرين اول تقرير للتنمية البشرية في العالم العربي عن الديمواقراطية والمساواة في المواطنة والحكم الرشيد والمعرفة، وكان التقرير المذكور في حينه، مدوياً لكن لم يؤخذ بانذاراته على محمل الجد. وأمس، جددت خلف اسئلتها عن مستقبل العالم العربي وما اذا كان جميع المواطنين سيتمتعون بالمساواة والفرص المتكافئة؟ وسألت ايضاً عن علاقة الدين والدولة وأثر الصعود الاسلامي على الاقليات وعلى وضع المرأة، وعن تأثير الثورات العربية الايجابي على القضية الفلسطينية وما معنى الديموقراطية تحت الاحتلال؟ وأكد الوزير التونسي عبدالسلام ان «الانظمة التسلطية لم تعد تملك مقومات الحياة، والتجارب بينت ان العرب ليسوا أقل استحقاقاً للديموقراطية من غيرهم، ورسالة تونس ان عملية التغيير أمر غير مستحيل». وقال: «أدرنا المرحلة الانتقالية بقدر من التوفيق ونتجه الآن الى شرعنة الديموقراطية من خلال رئيس منتخب وحكومة وفاقية، فنحن لم ننتقل من هيمنة طرف واحد الى آخر وحفظنا البلد بسبب وجود تقاليد دولة والمخاوف من فوز الاسلاميين لا مبرر لها، فالطبقة السياسية تجمع على تعزيز الحقوق والمكتسبات وليس فقط الحفاظ عليها، وأحد التحديات التي تواجهنا ان الجميع يريدون كل شيء الآن لكن تغيير حقبة زين العابدين بن علي تحتاج الى الكثير من الاصلاح والوقت». موسى ورأى موسى «ان التغييرات المتتالية من تونس وصولاً الى سورية تؤكد ضرورة التفكير ببناء نظام اقليمي جديد في الشرق الاوسط». ورأى ان في مقابل سياسة «زكية ولينة تجسدها تركيا وسياسة خشنة تجسدها ايران، هناك ثالث ناقص، فالزعامة العريبة لا تعود إلا لعربي وهو اساسي لرسم الخطاب الجديد، وهذه الثورات ستودي الى ايجاد نظام عربي جديد سياسي، امني، اقتصادي وثقافي، ولا بد ان نأخذ القضية الفلسطينية بالحسبان وكيفية حلها وكذلك الموضوع الشيعي - السنّي الذي فرض علينا وكيفية حله». واذ لفت الى ان التغيير الديموقراطي الحاصل «له لون اسلامي»، اعتبر ان ذلك «نتاج ممارسة ديموقراطية ولا يجب الاحتجاج عليه»، معرباً عن اعتقاده بأن «الحركة الاسلامية الحالية هي حركة تتجه نحو الاعتدال وتعمل في القرن الحادي والعشرين»، كاشفاً ان «نقاشاً حول الموضوع جرى في الجلسة المغلقة وشابه التوتر». وأكد احترام الدين في مصر «كمرجعية لكن الحكم للدستور»، مشيراً الى ما تنص عليه وثيقة الازهر في شأن الحريات ودولة الدستور، ورأى ان الانتخابات في مصر «كانت شفافة وحرة والقوى الاسلامية المنتخبة ستعمل الى جانب قوى ليبيرالية منتخبة ايضاً ومصر تدخل عصر التوافق، وأنا من المتفائلين بالتطور المصري لأننا نسير وفق جدول اعمالنا وفي مقدمه الديموقراطية والاصلاح خصوصاً للقوانين». وشدد البرغوثي على اهمية «ان تكون الديموقراطية متواصلة وليس مرحلية»، معتبراً «ان الثورات في العالم العربي لها تأثير ايجابي على الفلسطينيين لأنها اسهمت بالمصالحة الداخلية، وأفسحت المجال لتضامن كبير من شعوب تحررت ارادتها من انظمة كانت تقمعها فاصبح للنضال الفلسطيني عمقه العربي». وأكد ان «هدفنا جعل تكاليف الاحتلال اغلى مما تستطيع اسرائيل احتماله وتغيير موازين القوى يبنى على المقاومة الشعبية الواسعة بما فيها المقاومة الديبلوماسية وحركة نهوض دولية لسحب الاستثمارات من اسرائيل والتمسك بالوحدة الداخلية». واعتبر ان «بناء المؤسسات الديموقراطية تحت الاحتلال هو مطلب على أجندة المجتمع الدولي لنا، واسأل: هل الشعب الفلسطيني متساو بالحقوق والواجبات مثل الشعوب الاخرى؟». مكتسبات المرأة الليبية وركزت جبريل على دور المرأة الليبية في الثورة وتضحياتها، ولفتت الى ان «التهميش بدأ حين تشكيل المجلس الانتقالي»، ودعت الى «قبول اللعبة الديموقراطية التي تحمل خطاباً دينياً مستنيراً»، مشيرة الى ان «العمل الان يتركز على مسودة قانون الانتخاب لضمان كوتا نسائية اكثر مما هو مطروح فيها». ورأى الارياني ان اليمنين «كانوا محظوظين حين قامت الوحدة، وتجربة الاعوام ال20 الاخيرة علمتهم التحرك جماهرياً لذا كان النزول الى الشوارع سريعاً بعد تونس ومصر»، وقال ان الشهر المقبل تمر سنة على التحرك، «لكن لا نستطيع القول ان الحركة الديناميكية بيد الشباب انما شيء منها تعسكر وتقبّل (نسبة الى القبائل)، والتغيير في اليمن اصبح قراراً دولياً وليس داخلياً، وفي 27 الشهر المقبل سيحصل التغيير حين اختيار الرئيس الجديد، وسيكون هناك وعاء جديد للحكم يستطيع الشباب ان يكونوا جزءاً منه من خلال الحوار الوطني الشامل». وقال انه لا يتوقع «نظاماً رئاسياً بل برلمانياً او لامركزية بأقصى درجاتها، او ان يقسم اليمن الى اقاليم وهذا محتمل»، مجدداً ما قاله وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو خلال الجلسة المغلقة اول من امس، عن «اهمية ان يكون الدستور دستور المواطن». الطبقة الوسطى في المغرب وتحدث السفير اومليل عن مستقبل الحراك السياسي في المغرب في ضوء الاصلاحات التي جرت، لافتاً الى ان «التظاهرات التي حصلت كانت للمطالبة بالاصلاح وليس اسقاط النظام»، وأجاب على سؤال عن سبب فوز الاسلاميين (العدالة والتنمية) بالانتخابات النيابية وشكلوا حكومة ائتلافية بالقول: «من اطلق الثورات في المدن والبلدات وكانت شعاراتهم الحرية والديمواقراطية هم الشباب المتعلم والمتواصل مع العالم اي الطبقة الوسطى التي ضربت في العالم الغربي وانتجت يميناً متطرفاً، وعندما تضرب الطبقة الوسطى تبقى القاعدة الشعبية وهي اسلامية وهي التي تصدرت الحكم والتحدي امامها سيكون اقتصادياً وليس حجاب المرأة، والتحدي الثاني سيكون الحريات الشخصية والاقليات، هذه القضايا كانت تكبت او ترجّع في الماضي تحت شعار اننا نواجه نظاماً استبدادياً اما الان فعادت الى السطح، والتحدي الثالث هو الانتقال من الزمان المتسارع (زمن الثورات) الى الزمان العادي وتغيير العقليات وهو التحدي الأكبر، واعتقد ان الربيع العربي اوجد مرجعيات جديدة ستشكل الدولة الحديثة». اسئلة وملاحظات اسئلة كثيرة طرحت على المشاركين في الجلسة، فتخوفت ناشطة تونسية معارضة من «خطر الردة الذي يصاحب الثورات والنزعة الى الهيمنة وتكثيف السلطات في يد طرف واحد»، وقال الناشط المصري (حركة «كفاية») جورج اسحق انه يرفض اقحام الازهر بالسياسة وطالب بتأكيد مبدأ المواطنة في الدستور، وسأل الرئيس الموريتاني السابق علي ولد محمد فال: «لماذا اهتمت الثورات التي جرت بالقضايا الوطنية واغفلت القومية العربية ما لا يضمن الاستقرار ولا الامن؟»، وشدد السيد هاني فحص على وجوب عدم «تعطيل الثقافة»، وقالت الرئيسة السابقة لتشيلي ميشيل باشيليت: «اذا لم تتوافر المساواة فلا حرية والديموقراطية تكون ضعيفة اذا لم تحمل تنوع المجتمع الى البرلمان». وشددت على تمثيل المرأة وعلى معالجة التحديات الاقتصادية. كما شددت ناشطة مغربية على أهمية الشفافية والوضوح «لان الديموقراطية ليست معادلة رياضية كي لا نعود الى استبداد الاقلية بالاكثرية». وركز نائب برازيلي على اهمية تحقيق العدالة والحرية لمدخول اساسي للجميع، وقال ناشط تونسي شاب انه لم يعد يفهم «ما يحصل في تونس على رغم انني من المشاركين في الثورة اذ ان التوجه بعد الثورة صار نحو المستثمرين الاميركيين وليس الفقراء»، وزاد: «اشرحوا لي ما تعنون بالاصلاحات الجبائية»، مذكراً بأن الثورة «مسار وليس حدثاً وسنواصل نحن الشارع». وسألت الاكاديمية فادية كيوان عن كيفية ممارسة الاحزاب للديموقراطية في الدولة «ولم تمارسها على المستوى الحزبي»، وأبدت مخاوفها على الدولة المدنية والمواطنة «وترك موضوع الاسرة للتشريع الديني وتنصل الدولة من دورها». وسأل الوزير السابق جهاد ازعور عن «غياب البعد الاقتصادي والاجتماعي في الحملات الانتخابية وعن فقدان خارطة طريق للتحول الى الديموقراطية بعد مرور سنة على بعض الثورات، وعن مصير القوى الامنية التي لعبت دوراً اساسياً وما هو حدود دعم الدول التي تعيش حال تغيير مثل سورية». وسأل لبناني عن «معضلة الاقليات وكيفية احترام الآخر والحفاظ عليه»، وسأل فلسطيني عن «كثرة التحدث عن الانجازات وتجاهل الاخطاء ما لا يطمئن»، وقال: «لن ننتظر الجيش الاسلامي كفلسطينيين». بعض من شارك في الجلسات المغلقة اعتبر ان مداخلات شخصيات خاضوا ثوراتهم في الغرب (اوروبا الشرقية واميركا اللاتينية) لم تضف جديداً الى المشاركين العرب لان «التجربة مختلفة، فلا ثوراتنا ايديولوجية وليس لها قادة انما اسقطت بيد الغرب، وقوانين العفو والمصالحة درسناها في الكتب ونابعة من شعور انساني لكن تطبيقها على الارض غير متوافر بسبب الجرائم المرتكبة بحق الناس على مدى عقود». وبعضهم الآخر اعتبر ان تقديم المداخلات طغى على النقاش الحقيقي المطلوب بين المشاركين، ولاحظ آخرون ان سورية غابت عن النقاشات المغلقة، مثلما غابت عن المشاركة. وكانت عقدت على هامش الاجتماع ندوتان بالتعاون مع الجامعة الاميركية في بيروت: الأولى كانت حواراً مفتوحاً مع المرشح الرئاسي في مصر عبدالمنعم أبو الفتوح حاوره الوزير اللبناني السابق طارق متري محوره «الدين والدولة: المساواة وحقوق المواطنة»، والندوة الثانية تحدث فيها وزير خارجية بلغاريا نيكولاي ملادينوف وباشيليت وقدما «رؤية عالمية لكيفية الانتقال الى الديموقراطية».