عندما شخصت دراسة علمية عرضت في منتدى الرياض الاقتصادي الأخير بعض القصور والخلل في أعمال الهيئة العامة للاستثمار، واضطرار بعض المستثمرين ورجال الأعمال إلى اللجوء إلى وسائل غير نظامية لتسهيل وإنجاز أعمالهم، انبرت الهيئة إلى الإنكار، وشككت في نتائج الدراسة، ووصفتها بأنها غير علمية ولم تراعِ القواعد المهنية، وعندما نشرت مجلة «ساينس» الأميركية تقريراً عن بعض جوانب القصور والخلل في بعض الجامعات السعودية، ومنها جامعة الملك سعود، انبرى بعض المسؤولين في جامعة الملك سعود، بشكل خاص، وعدد من الكتّاب، بإنكار ما جاء في تقرير المجلة، مشيرين إلى أن التقرير لم يكن أيضاً مهنياً، مشككين في صدقية المجلة، وأنها ارتكزت على انطباعات غير علمية، وأنها تبنت طرح الدكتور محمد حمد القنيبط، الذي انتقد جامعة الملك سعود، تحديداً، في مسألة التصنيف الدولي وأمور أخرى تتعلق بالجامعة. ولا يمكن لمنصف أن يتغاضى أو يتجاهل ما أنجزته الهيئة العامة للاستثمار، أو جامعة الملك سعود، أو الجامعات الأخرى التي ورد اسمها في تقرير مجلة ساينس الأميركية، إلاَّ أن ذلك لا يعني، بالضرورة، أنه لم تكن هناك أخطاء في بعض أعمال هذه الجهات، أو أي جهات حكومية أخرى، فالكمال لله وحده. وأحسب أن الإشادة بالإنجاز تخرج عن سياق الموضوعية، فأي إنجاز هو في الواقع أداء للواجب، وتحقيق للمسؤولية. وأداء العمل هو مقابل الأجر الذي يتقاضاه العامل، الذي هو واجبه، ولا شكر على واجب، في حين أن إيضاح القصور أو الخلل، هو واجب يمليه حق النصح وإصلاح الخطأ، وهذا نهج أصيل يحث عليه الشرع الحنيف، وتقوم عليه أنظمة الدول، وتركِّز عليه أدبيات الخلق القويم، ويبنى عليه العرف في المجتمع. ولعل الإنسان الصادق، ومن يحرص على مصلحة المجتمع والوطن، هو من يتصدى لكل قصور أو خلل يطرأ على أداء مؤسسات الدولة، أو فعاليات المجتمع، فهذا شأن عام، يفترض أن يقوم على أسس سليمة، ومن المؤسف، أن يتبنى بعض القائمين على بعض هذه المؤسسات، أو من يدافعون عنهم، سياسة الإنكار، ورفض كل نقد أو رأي يوضح جوانب القصور والخلل، ويدعو إلى الإصلاح وتجنب اللجوء إلى وسائل غير نظامية، للوصول إلى نتائج وقتية قد لا تعبِّر، بالضرورة، عن الواقع، وقد تعكس تلميعاً وزيفاً، من المؤكد أن ينكشف بعد حين، فالعبرة بالأجل الطويل، وهو محك الحكم على الأداء. إن من الحصافة بمكان، الاستفادة من هذه الأطروحات العلمية التي وضعت يدها على بعض مواطن القصور والخلل في أداء هذه المؤسسات الحكومية، والتعامل معها بموضوعية وشفافية، وبكل هدوء، والابتعاد عن الانفعال، واللجوء إلى الإنكار، وفي ذلك التعامل الموضوعي، إن تم إتباعه، تأكيد على حرص المسؤولين في هذه المؤسسات على أداء واجبهم على الوجه الأكمل، وتلافي هذه الجوانب السلبية، فالاعتراف بالخطأ فضيلة، وإصلاح القصور والخلل هو من جهاد النفس الذي لا يقوى عليه إلاَّ الكبار الذين حباهم الله نعمة وفضيلة التراجع عن الخطأ والزلل وإتباع الحق والعمل به. إن ثقافة الإنكار لا يمكن أن تخلق بيئة عمل قادرة على تجاوز الإخفاقات واستمرار مسيرة التطوير وبناء مؤسسات قادرة على خلق كيانات تعمل على تحقيق نمو مستدام يواجه تحديات المستقبل ويتعامل معها بكل ثقة وعزم وإصرار على الوصول إلى القمة، والبقاء فيها، إذ إن ذلك يتطلب الوقوف على أرض صلبة بنيت على أسس سليمة. رئيس دار الدراسات الاقتصادية بالرياض [email protected]