لم تفلح محاولات رامي باكير بالانفراد بنفسه ساعات وإعادة حساباته لتكاليف حفلة الزفاف في التخفيف من توتره. فما إن اطلت والدته من باب الغرفة للاطمئنان عليه حتى انفجر أمامها شاكياً همه. رامي ذو ال27 ربيعاً شارف على توديع أيام العزوبية وأسابيع قليلة فقط تفصله عن حلفة الزفاف. وعلى رغم قناعته بقرار الارتباط بمن وجد فيها رفيقة الدرب، فإن انشغاله المتواصل بقائمة من متطلبات حفلة العرس جعله كئيباً مثقلاً بالهموم وبعبء لا قدرة له على تحمله من دون أن يتملكه هاجس الاقتراض. ليلة العمر التي أرادتها خطيبته لهما كانت تحتم على رامي تجاهل طقوس تقليدية لطالما حرصت عائلته الاردنية على الالتزام بها، فوجد نفسه عقب زياراته للخطيبة يواجه متطلبات لم تخطر بباله ولم يحسب لها حساباً. فهو شاب ينتمي الى عائلة ريفية متواضعة اعتادت أن تحتفل بزواج ابنائها في المنزل بمشاركة الأقارب وأهالي البلدة وسط طقوس تقليدية تبارك ارتباط العروسين. وفي اليوم الذي يسبق ليلة الزفاف تقام احتفالية «التعليلة» التي يجتمع خلالها أبناء الحي ويسهرون طوال الليل يرقصون الدبكة الشعبية على ايقاع الأغاني المتوارثة، وفي اليوم التالي يخرج العريس من بيت أحد الجيران وقد اغتسل عندهم، فيحمله الأصدقاء على أكتافهم ويزفونه مشياً على الأقدام الى منزله، حيث يلتقي عروسه على المصمد، ويحنّي كل من العروسين الآخر وسط زغاريد تطلقها النسوة احتفالاً بهما. بيد أن رامي الذي اختار أن يرضخ لرغبة خطيبته في اقامة عرس غير تقليدي، وجد نفسه في موقف حرج أمام العائلة، لكنه استطاع تجاوزه لأن الجميع اعتاد تفرده في اتخاذ القرارات. وتقول هدى براقوي (25 عاماً): «تبقى الطقوس التقليدية في ليلة الزفاف بعيدة من زيف المظاهر والشكليات التي طرأت على احتفالات الاعراس أخيراً». وترى هدى أن ابناء جيلها «اصبحوا اكثر اهتماماً بمظاهر الحداثة التي غلبت على احتفالات الاعراس حتى في المناطق الريفية لتصبح أقرب الى أعراس المدينة التي تحاكي الطابع الغربي». وتبدو مظاهر الحداثة جلية في غالبية الأعراس الأردنية، فالاحتفال الذي كان يُقام في المنزل وترافقه الدبكات والزغاريد والأهازيج، استبدل بصالة افراح في أحد الفنادق الفخمة تصخب بموسيقى يلعبها «دي جي» محترف. وتقول هدى: «هجرة الشباب إلى المدن جعلتهم يعتمدون نمط الحياة العصري الشبيه بالطابع الغربي، تُضاف اليه التغييرات الاجتماعية وما نجم عنها من ضعف في الروابط الأسرية... واستقلالية القرار عند الشاب والفتاة أخرجت الزواج من دائرة الطقوس التقليدية». وفي الاشهر التي تسبق الحفل، يصبح تدبر أدق التفاصيل الهم الشاغل للفتاة المقبلة على الزواج. وتقول رنا الزعبي (25 عاماً): «تابعت كل ما يعرض على الفضائيات من برامج مختصة بعرض افخم حفلات الزفاف في العالم، ما أضاف اليّ الكثير من الأفكار، وسأحرص على أن تتميز بها حفلة زفافي». وتضيف: «سأعمل جاهدة لإعداد حفلة تبهر الأخريات، وتبقى محور الأحاديث لأيام». وفي هذا السياق يقول الاختصاصي في علم الاجتماع الدكتور منير كراتشه إن «الانسياق وراء المظاهر بات يستحوذ على تفكير الفتيات. ولأنهن متحررات من تحمل التبعات الاقتصادية لتجهيزات العرس، فهن لا يلقين بالاً لما قد يتكلفه العريس من مصاريف باهظة ترهق كاهله ارضاء لها». ويضيف أن «تجاوز المظاهر الزائفة يتطلب وعياً حقيقياً من الفتيات واستباقاً منهن لما بعد حفلة الزواج من مسؤوليات تقع على الزوج الذي غالباً ما يلجأ الى اقتراض مالي يعكر عليه صفو حياته الزوجية ويخلق عقبات وخلافات تهدد العلاقة لاحقاً بالانفصال». ويوضح كراتشه أن «الطقوس التقليدية في حفلات الزفاف تغيرت جزئياً في الأردن، ويبدو التغير واضحاً في المدن التي يحاكي سكانها مظاهر الحداثة بسبب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والعولمة والانفتاح على الدول الاجنبية ووسائل إعلامها». ويؤكد أن «دائرة التغيير في الطقوس تتسع عندما تبدأ الطبقة الوسطى بالمجتمع في تقليد الطبقة البورجوازية، فيما المبالغة في تجهيزات الاحتفال ليست سوى إعلان عن انتماء العريسين إلى الطبقة المرفهة، والتباهي أمام الآخرين... وهذا ضرب من النفاق الاجتماعي الذي تدفع اليه الفتاة بتحريض من الاهل». وبحكم أن مبادرة الزواج تكون من طرف الشاب الذي تقع على عاتقه التكاليف المالية كافة، فإن وعيه يدرك عدم جدوى المظاهر والشكليات في الوقت الذي تتذرع فيه الفتاة بمبررات شتى أولها أن «ليلة زفافها هي ليلة العمر». لكن ما تجهله الفتيات أن تلك الضغوط كلها تتسبب احياناً بإحجام الشبان عن فكرة الزواج تخوفاً من التورط بمسؤوليات مالية تصرف في ليلة واحدة كأن العمر يقف عندها!