في «موسم الحج» قبل عدة أعوام كنت أجلس مع أحد أقربائي في مصنعه بمكة المكرمة، وفي أثناء ذروة العمل طلب أحد المواطنين مقابلة صاحب المصنع، فوافق ودخل علينا في المكتب مواطن يبدو من مظهره «فقر الحال»، وبصوت متردد خجول ودون أن يعرّف بنفسه طلب من قريبي صاحب المصنع تخفيضاً كبيراً على المنتجات التي يرغب بشرائها والمتاجرة بها في «موسم الحج». فرفض صاحب المصنع. وبعد يأس الرجل من الحصول على «التخفيض المطلوب» توجه بنظره اليّ وقال: «ما عرفتني؟» فقلت على الفور: لا. نظر اليّ نظرة يشوبها الحزن ثم ذكّرني بأنه أحد لاعبي الوحدة المشاهير بمكة المكرمة في فترة ماضية قبل أكثر من عشرة أعوام. وعلى الفور عادت بي الذاكرة وبدأ شريط الذكريات يتداعى أمامي. وعدت الى مقعدي المتخيل في ملعب الملك عبدالعزيز بالشرائع وصوت الجماهير يهتف باسم هذا اللاعب الموهوب الذي يقف أمامنا اليوم بحال مختلف، وربما لسان حاله يردد شعر نزار قباني: لو أني أعرف خاتمتي ما كنت بدأت. تساءلت في نفسي وحال هذا اللاعب الذي شغل الملاعب لفترة وصال وجال وكان نجماً لا يشق له غبار لا تغادر ذهني: ما هو مصير اللاعب السعودي المعتزل؟ وأين يذهب وكيف يحدد مصيره ويرسم مستقبله؟ وللأسف أن هناك حالة اعتقاد عامة أن كرة القدم تولد «الثراء الفاحش»، وهذا أمر غير دقيق أبداً. صحيح أن هناك لاعبين أصبحوا من أصحاب الملايين ولكنهم قلة لا يعبرون عن قاعدة عامة ودائمة. وإذا ما نظرنا اليوم لمصير جيل لاعبي المنتخب السعودي عبر عصريه الذهبيين في عامي 1984 و1994 كمثال وتساءلنا عن أوضاع لاعبيه اليوم سنجد أن الكثير منهم يجلسون في بيوتهم بائسين والبعض منهم يحتاج الى وقفة ودعم مالي، وسمعت أن منهم من صار يعمل «مغسل موتى»، و«سائق تاكسي» وغيرها من المهن الشريفة التي نحترمها، لكنها لا تليق بموهبة رياضية خدمت بلادها وحققت شهرة اتضح في ما بعد انها «زائفة» بلا قيمة تذكر. بالأمس ودعنا عميد لاعبي السعودية والعالم النجم محمد الدعيع في حفل اعتزال يليق بنجم خدم الملاعب السعودية على مدى أكثر من 20 عاماً، والدعيع بلا شك نجم استثنائي وهو من اللاعبين القلائل في الملاعب السعودية الذين حظوا بحفلات اعتزال لائقة يحضرها فرق كبرى مثل جوفنتوس ومانشستر يونايتد وريال مدريد، مقابل الكثير من اللاعبين الذين غادروها من الأبواب الخلفية دون ضجيج رغم استحقاقهم لتكريم يليق بالعرق والجهد الذي بذلوه فوق الملاعب الخضراء. غادر الدعيع ومن قبله غادر آخرون ويبقى سؤال حائر مطروح: أين ستذهب خبرة ومقدرة هؤلاء؟ وهل سيستفيد منها الجيل الجديد الذي يفتقد للقدوة والتوجيه؟ وما هي الطريقة التي سيكتسب منها اللاعبون المعتزلون رزقهم؟ وما هو المستقبل الذي ينتظرهم؟ أقترح أن يتم تكوين جهة أو هيئة تعنى بتنظيم أحوال اللاعبين المعتزلين وإعادة تأهيلهم وإكسابهم القدرات والتدريب اللازمين لخوض غمار الحياة بعد الاعتزال، خاصة أن المعتزلين يتركون الملاعب في سن صغيرة نسبياً لا تتجاوز في معظم الأحوال 35 عاماً ويعتبر هذا السن باكراً. ويجب أن تعنى هذه الهيئة بتوجيه اللاعبين المعتزلين نحو التخصص الذي يناسب ميول اللاعب المعتزل، سواء كان تدريباً أو تحليلاً او اكتشاف مواهب أو تجارة في المجال الرياضي وغيره لكي لا تهدر مواهب الوطن بحاجة لها. ولكي لا يجبر لاعب معتزل على أن يلجأ لطرق أبواب رؤساء أندية وأعضاء شرف سابقين ليريق ماء وجهه ويشعر أن تعب السنين ذهب مع الريح. [email protected] twitter | @hishamkaaki