يسود اتجاه عام هذه الأيام في الدوائر الشبابية الفاعلة والنشطة سياسياً هو التصنيف المطلق وغير القابل للحلول الوسطية. ثائر أم مهادن؟ ليبرالي أم سلفي؟ علماني أم ديني؟ فاعل أم «كنبوي» (من حزب الكنبة)؟ وأضيفت أخيراً إلى تلك التصنيفات أوصاف تتعلق بالفتيات: عذراء أم غير محترمة؟ وظهرت ملامح التصنيف الجديد من خلال سلسلة أحداث أبرزها المحاكمة التي تجرى حالياً في شأن إخضاع عدد من المتظاهرات لكشف عذرية رغماً عنهن في آذار (مارس) الماضي. وفي 3 كانون الثاني (يناير) الجاري بدأت المحكمة العسكرية النظر في محاكمة الجندي الطبيب أحمد عادل محمد الموجي (27 سنة)، وذلك على خلفية قيامه بإجراء ما يسمى ب «فحص العذرية» للشابة المصرية سميرة إبراهيم وعدد من المتظاهرات المقبوض عليهن من ميدان التحرير في آذار الماضي. ويواجه الموجي تهمتي ارتكاب فعل علني مخل بالحياء وإهمال إطاعة الأوامر العسكرية. هذه الواقعة ركزت الضوء في شكل فج على استمرار هيمنة فكرة ارتباط شرف الفتاة بعذريتها فقط، بغض النظر عن أفعالها أو مبادئها أو قيمها أو تصرفاتها، بالإضافة بالطبع إلى التأكيد أن حتى الأجهزة الرسمية في الدولة لا تؤمن بالحقوق الشخصية عموماً، وحق النساء والفتيات في الخصوصية الجسدية خصوصاً. «الحياة» التقت طالبتين جامعيتين في كلية الآداب جامعة عين شمس وسألتهما عن موقفهما من إخضاع الفتيات لكشوف العذرية. كلتاهما أكدتا أن مثل هذا الاختبار يخل بآدمية الفتاة، وإجراؤه في حد ذاته يحمل افتراض سوء السمعة والأخلاق. لكن في الوقت الذي أكدت منى السيد (20 سنة) أن الفكرة مرفوضة بغض النظر عن الأسباب، قالت زميلتها نهى فتحي (20 سنة): «على رغم أنها فكرة سخيفة ومؤذية نفسياً أتساءل ما الذي يدفع فتاة غير متزوجة وليست عذراء للنزول إلى الميدان للتظاهر. مثل أولئك الفتيات ليست لديهن ميول سياسية أو أخلاقية»! الميول الأخلاقية للمتظاهرات والمعتصمات الشابات ظلت موضع تساؤل وتدخل طيلة العام الماضي، بدءاً من تعليقات رفعت من شأن فتيات ميدان التحرير بحكم وجود فتيات محجبات بينهن، وهو ما اعتبره البعض دلالة على سمو أغراضهن ورفعة أخلاقهن، مروراً بالتشكيك في ما يجري من أعمال نعتت ب «غير الأخلاقية» في خيام المعتصمين، وصولاً إلى التشكك في النوايا «الخبيثة» التي جعلت فتاة منقبة ترتدي العباءة من دون ملابس تحتها، وذلك في إشارة إلى فتاة شارع قصر العيني المسحولة! واعتقاداً من البعض بأن الدفاع عن الفتاة المسحولة يكون بالتأكيد أنها كانت ترتدي بلوزة سوداء رفعت عن جسدها أثناء سحلها، ساهم الدفاع والتبرئة في التأكيد أن الثائرات المؤدبات هن بالضرورة من يغطين شعرهن، ويرتدين طبقات عدة من الملابس، ويكن بالطبع عذارى! ويعكس الكم الكبير من التعليقات المنددة بموقف الناشطة سميرة إبراهيم التي أقامت دعوى ضد خضوعها لكشوف العذرية، الفكر الظلامي الذي يصر على ربط شرف الفتاة المصرية بمنظومة تقديس العذرية واعتناق مبدأ الخجل والحياء بدلاً من المجاهرة بالحديث عن الانتهاكات الجنسية لأن «البنت المؤدبة لا تتحدث في مثل هذه الأشياء على الملأ». وكتب أحدهم معلقاً على قبول القضاء الإداري دعوى سميرة إبراهيم، والتي قضت بوقف إجراء كشوف العذرية الجبرية على الفتيات: «لو أنت محترمة أصلاً ماكنتيش اتكلمتي في موضع كهذا على الملأ. أنت عار على البنات المصريات»، في حين كتب آخر أكثر تنويراً معلقاً على صورة الفتاة «مزة بجد». وحتى المرشح المرتقب للرئاسة الدكتور محمد البرادعي قوبل بكثير من الاستهجان حين أرسل تغريدة على «تويتر» تصف فحص العذرية بأنه «فعل مخل بالحياء» وليس جناية «هتك عرض» وهو إهانة لمفهوم العدالة وامتهان لكرامة كل مصري ومصرية». ورد عليه أحدهم «مبروك عليك حمايتك لبنات الشوارع لأن حرائر مصر في بيوتهن، ولسن مثل قطط الشوارع». إلا أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدقت عليه مصر لم يفرق في الحقوق بين قطط الشوارع وقطط البيوت. وبحسب المادة 12 الواردة في الإعلان، «لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات». لكن المشكلة أعقد بكثير من مجرد التصديق على اتفاقات ومعاهدات دولية. ذلك أن المشكلة الحقيقية تكمن في العقول التي تجعل مفهوم العفة والشرف مرتبطاً بالعذرية فقط، والتي تترجم الدين الحق إلى مظهر منزوع الجوهر. وإذا كانت عقول الشيوخ والمسنين يصعب إعادة صياغتها في هذه السن، فكان يتوقع من الشباب ابتعاد أكبر عن التصنيفات العقيمة التي تهدر وقت الجميع وجهده، سواء كانوا سلفيين أم ليبراليين أم إخوانيين أم ثوريين.