يصطف الفلسطينيون في لبنان اصطفافاً حاداً بين مؤيد ومعارض للنظام السوري. ففي حين اجمع الفلسطينيون على موقف مؤيد لسقوط نظام حسني مبارك في مصر مثلاً تباينت مواقفهم وآرائهم حيال ما يجري في سورية. يهرع أبو ياسر يومياً إلى منزله بعد انقضاء دوام عمله لمتابعة نشرات الأخبار المسائية، علّها تحمل اليه خبراً تمناه منذ بداية الثورة ويشير إلى توقف التظاهرات المعارضة للنظام، على رغم استبعاده ذلك في الوقت القريب. ويقول أبو ياسر: «ما يحدث في سورية مؤامرة، لا أحد يحاول اقناعي بأن الشعب السوري يريد اسقاط النظام». ويتابع بحماسة: «ما ينقل عن وجود تظاهرات ليس سوى مجموعات صغيرة لا تعي ماذا تفعل، هي تسهل التدخل الأجنبي ضد نظام مقاوم وممانع... نحن الفلسطينيين ليس لنا احد غير النظام السوري الذي وقف إلى جانب المقاومة في لبنان وفلسطين طوال الفترة الماضية». يتدخل أحمد (ابن أبو ياسر) مقاطعاً والده: «لا شيء يبرر القتل، وإن أخطأ المتظاهرون، على النظام حمايتهم أيضاً لأن استمرار سقوط الضحايا هو الذي سيؤدي إلى التدخل الأجنبي». ويستمر الجدال على هذا النحو ليبدأ كل منهما بسرد احداث وروايات واستحضار الادلة بالصور والأخبار المنشورة سابقاً. وليس من السهل اقناع الواحد منهما برأي الآخر، فلكل حادثة روايتان، الأولى مستقاة من القنوات السورية والثانية تعرضها القنوات العربية. وتشبه حال ابو ياسر وابنه حال كثيرين، وقد يحدث أن تجد ابناً مع النظام وأباً معارضاً، لكن السائد في صالونات المخيمات الفلسطينية هو العكس. واللافت أن الفلسطينيين عانوا كثيراً من النظام السوري خلال الحرب الأهلية اللبنانية لكنهم اليوم يتخذون مواقف مؤيدة له. حمزة شاب فلسطيني كان والده واثنان من أعمامه معتقلين في سورية سابقاً، يقول: «لو أن والدي يستطيع أن يذهب بنفسه ويساند النظام لفعل ذلك من دون تردد»، مشدداً على أنه يترتب «على كل فلسطيني أن يقف في وجه المؤامرة الدولية على سورية، لأن انهيار النظام سيضعف الموقف الفلسطيني». وإذا كان الشباب عموماً أكثر تقبلاً للتغيير ويبدون تعاطفاً كبيراً مع الشعب السوري وانتفاضته، فإنهم أيضاً حائرون في تحديد موقفهم مما يجري. فحين يسمعون عن تحرك الدول العربية ضد سورية فقط وتقاعسها في بلدان أخرى تشهد تظاهرات سلمية وقتلاً مماثلاً كاليمن مثلاً، يتأكدون من أن «التحرك ليس لوجه الله»، كما يقول محمد (26 سنة). ويضيف: «هي محاولة للانتقام من النظام السوري وإجباره على تقديم تنازلات في شأن المقاومة». ويقر محمد بأن النظام «يظلم شعبه ويحمي الفاسدين مستخدماً الإعلام واتهامات المؤامرة للتغطية على أخطاء رجال الأمن الذين يقمعون التحركات الشعبية». لذلك يدعو محمد إلى التفريق بين السياسة الخارجية «المحنكة» للنظام وبين السياسة الداخلية «الظالمة». وعلى أرض الواقع، فإن لسورية نفوذاً في المخيمات عبر منظمات فلسطينية مسلحة منذ ثمانينات القرن الماضي، وكان الرئيس الأسد الأب داعماً لحركة «فتح الانتفاضة» المنشقة عن حركة «فتح». كذلك تقدم السلطات السورية دعماً شبه كلي لتنظيم «الجبهة الشعبية - القيادة العامة» التي يعلّق عناصرها صوراً للرئيس بشار الأسد علناً في مقرّاتهم داخل المخيمات، ويجاهر مسؤولوها بدعمهم لنظامه. أما أبناء حركتي «حماس» و «الجهاد» فيلتزمون الصمت بحجة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. لكن حقيقة الامر إنهم في وضع محرج لأن قياداتهم تقيم في سورية كما ان من المؤكد أن هذه الفصائل ستخسر ساحات كبيرة جراء «الربيع العربي». ويشكك بعض الفلسطينيين وخصوصاً الشباب في مقولة ان النظام السوري داعم للقضية الفلسطينية بالقول إنه «لم يفعل شيئاً للجولان ولم يقم بأي تحرك ليوقف الحرب الأخيرة على غزة (الرصاص المصبوب) التي راح ضحيتها أكثر من 1400 شهيد، بينما النظام حالياً يقوم بالتهديد بإحداث زلزال في المنطقة لينقذ نفسه من السقوط». ويرى هؤلاء «أن حزب الله اللبناني أخطأ عندما أعلن دعمه للنظام وفقد الكثير من شعبية عربية واسعة اكتسبها في حرب تموز، فكان الأجدى بالحزب اتخاذ موقف محايد على الأقل».