دمشق - أ ف ب - تؤثر انعكاسات الحركة الاحتجاجية المناوئة للنظام السوري في الاقتصاد الذي يسجل تباطؤاً وإن كانت العاصمة السورية ما زالت تبدو مدينة نشطة ولو على السطح. وقال شاب صاحب مطعم عصري «لا تنخدعوا بالمظاهر. الناس في الشارع فقط للتنزه وليشاهدوا الواجهات وربما شرب الشاي لا اكثر». وفي القلب التاريخي للعاصمة السورية تبدو المباني التي يعود تاريخ تشييدها الى مئات السنين وتحولت الى فنادق فخمة شبه خاوية بعدما كانت تعلن عن حجوزات كاملة في الاوقات العادية. وأكد جهاد اليازجي رئيس تحرير النشرة الاقتصادية «ذي سيريان ريبورت» ان «الاقتصاد يعمل بوتيرة بطيئة فيما السياحة التي تمثل 10 في من اجمالي الناتج الداخلي باتت عند نقطة الصفر». وأضاف ان «مصانع عدة تعتمد على السوق المحلية تغلق ابوابها لأن الاستهلاك يسجل انخفاضاً خطيراً»، مؤكداً ان «عدم وضوح الآفاق السياسية يشكل عاملاً كبيراً لزعزعة الاستقرار لأنه يذكي انعدام ثقة المستثمرين والمستهلكين». وأمام محطة وقود ينتظر عشرات الأشخاص وهم يحملون صفائح كبيرة حمراء لملئها بمازوت التدفئة. فمع وصول الشتاء تسببت الهجمات على خطوط انابيب الغاز والمحطات الكهربائية وكذلك الحظر النفطي الذي تفرضه اوروبا، بنقص في التيار الكهربائي والمنتجات المكررة. والنمو الاقتصادي الذي كانت تفخر به سورية منذ 2005 يخلي المكان لانكماش يصيب خصوصاً الطبقات الاكثر فقراً. وتفيد وثيقة نشرتها وزارة العمل في كانون الاول (ديسمبر) ان البطالة باتت تطاول ما بين 22 و30 في المئة من الفئات العاملة فيما كانت تدور حول 9 في المئة رسمياً قبل عام 2011. وأكدت دينا خانجي وهي صاحبة وكالة لإنتاج وتوزيع مستحضرات تجميل في دمشق انها «قلصت النفقات وخصوصاً ساعات العمل والرواتب بغية تفادي تسريح موظفين او حتى اغلاق» مؤسستها. وأوضحت «ان الاستهلاك انخفض والمنتجات الكمالية هي الاولى التي تتأثر بالأزمة»، مضيفة «حتى صادراتنا الى الاردن والعراق والامارات العربية المتحدة تدهورت لأن الوضع السائد يردع شركاءنا عن إبرام عقود جديدة». وعلى رغم تباطؤ الاقتصاد، فإن بعض القطاعات تزدهر، لا سيما الزراعة التي تمثل 24 في المئة من اجمالي الناتج الداخلي وتشغل ربع السكان العاملين (انتاج الحبوب والقطن والزيتون والحمضيات) بفضل محصول جيد ازداد بسبب الامطار الغزيرة. وهذه هي ايضاً حالة القطاع العقاري الذي هو في اوج النمو. ففي جرمانة الضاحية الجنوبية لدمشق كما في سائر المناطق في سورية تتزايد ورش بناء المباني الجديدة، غالباً بصورة غير قانونية. وأكد جهاد اليازجي «ان القطاع العقاري يشهد ازدهاراً كبيراً لأنه يعتبر قطاعاً ملجأ في اوقات الازمة، بسبب الخوف الذي يثيره احتمال تدهور الليرة السورية. على غرار البناء الذي حظي بتساهل السلطات إزاء المخالفين الذين يقومون بأشغال غير قانونية». ويبدو ايضاً ان مؤسسات الدولة لم تتأثر بالاضطرابات. فالموظفون حصلوا على زيادات للرواتب بنسبة تراوح من 20 الى 30 في المئة تقررت في نيسان (ابريل)، وإن كان تراجع الليرة التي فقدت اكثر من ربع قيمتها، امتص من هذه الزيادة. لكن جهاد اليازجي لفت الى انه «يتوجب الاعتراف بأن المصرف المركزي ادار في شكل افضل مما كان متوقعاً قيمة الليرة السورية والتضخم وهما مؤشران رئيسان للاقتصاد يبدوان حتى الآن تحت السيطرة».