دمشق - أ ف ب - يشير خبراء ورجال أعمال إلى أن الاقتصاد السوري الذي يعاني منذ خمسة أشهر بسبب الاحتجاجات ضد النظام قد يتعرض إلى تدهور خطير بحلول العام المقبل، إذا استمر الوضع على ما هو عليه. ويقول عبد الغني العطار نائب رئيس «مجموعة عطار» التي تنشط في القطاع الفندقي والمنتجات الصيدلانية والمعدات المكتبية والتأمين والخدمات المصرفية، إن «كل شيء توقف خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الاحتجاجات، إذ أصيب المستهلكون بالشلل، إلا أن الحركة الاقتصادية استؤنفت منذ حزيران (يونيو) الماضي مع انخفاض بنسبة 40 في المئة مقارنة مع العام الماضي». ويضيف أن «القطاع الخاص الذي يمثل 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مازال يقاوم في الوقت الراهن، لكن إن لم يتحسن الوضع في بداية العام المقبل فإن الاقتصاد سيعاني فعلاً وقد يتم صرف بعض الموظفين». وتشير إحصاءات معهد التمويل الدولي، ومقره واشنطن، إلى أن كل المؤشرات الاقتصادية السورية باتت حمراء، مع توقع انخفاض النمو بنسبة لا تقل عن 3 في المئة هذا العام. أما قطاع السياحة، فيعاني وضعاً صعباً بعدما شكلت عائداته العام الماضي 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مع عائدات قدرها 6.5 بليون دولار. وتراجعت الاستثمارات بنسبة 47.84 في المئة في النصف الأول من العام الجاري مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، بحسب الارقام الرسمية. وقال رجل الأعمال ناجي الشاوي، إن «الناس خائفون ويحسبون حساب الغد»، فلا يشترون سوى الضروريات الأساسية، مشيراً إلى المثل القائل: «خبي قرشك الأبيض لليوم الأسود». وأوضح أن حجم أعمال مجموعته المتخصصة بالمواد الغذائية والأدوية والمنظفات والورق والمصارف انخفض بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المئة. وأضاف: «ما زال القطاع الاقتصادي متماسكاً، لكن إذا استمرت الأزمة لأكثر من ستة أشهر سنواجه مشاكل». وتراجعت سوق الأوراق المالية بنسبة 40 في المئة، كما ان الاستهلاك، وهو محرك النمو، شبه معدوم، إذ تخلو متاجر الملابس والالكترونيات من المشترين. وانخفضت الواردات بنسبة 50 في المئة. واستوردت سورية ألفي سيارة في ايار (مايو) الماضي مقارنة مع 20 ألفاً في آذار (مارس) الماضي. وفي المقابل، شهدت تجارة مواد البناء ازدهاراً مع نشاط كبير في البناء العشوائي نظراً إلى انشغال الشرطة بأمور أخرى. وللأسباب نفسها، انتشر الباعة المتجولون بعدما أصبحوا لا يخشون من مطاردة الشرطة لهم في شوارع العاصمة. وتستمر الليرة السورية بالمقاومة، إذ لم تفقد سوى 8 في المئة من قيمتها منذ منتصف آذار (مارس) الماضي مقابل الدولار. ويؤكد محافظ المصرف المركزي اديب ميالة الذي اتخذ تدابير جديدة للحد من تسرب العملات الأجنبية أن البنك «ما زال يحتفظ باحتياطه البالغ 17 بليون دولار». لكن رئيس تحرير الموقع الاقتصادي «سيريا ريبورت» جهاد يازجي يرى أن «المبلغ بالتأكيد أقل، ونحن لا نعرف كم استخدمت الحكومة من احتياطياتها... وعلى أي حال، أعتقد أنها بدأت باستخدام الأموال المخصصة للاستثمار من أجل النفقات الجارية، بما في ذلك الرواتب والنفقات العامة». وارتفعت موازنة هذا العام إلى 16.7 بليون دولار خصصت 43.4 في المئة منها للاستثمارات. ونقل الشاوي أن حاكم المصرف المركزي كشف له أن «المصرف قام خلال الأيام المزدهرة بتخزين نحو 5 بلايين دولار لتحصين الليرة السورية إلا أنه لم يستخدم سوى بليوني دولار حتى الآن لدعم سعر صرفها». وقال ديبلوماسي أوروبي إن إيران اقرضت دمشق ستة بلايين دولار، إلا أنه أقر بأنه لا يملك دليلاً على ذلك. وقال الخبير المختص بالشؤون السورية في «مركز كارنيغي للشرق الأوسط» لحسن العشي، إن «الوضع تدهور، لكنه ليس ميؤوساً منه»، مضيفاً: «يمكن للنظام ان يبقى على هذه الوتيرة لمدة طويلة جداً. على أي حال، إذا عمد إلى إجراء مفاضلات فإن القوى التي تمارس القمع ستكون آخر من يتأثر بها». واعتبر أن «الاقتصاد ليس هو ما سيسقط النظام. إذا كان سيتم الاعتماد على الاقتصاد، فسينبغي الانتظار طويلاً. بينت التجارب أن هذه الانظمة يمكنها المقاومة طويلاً تحت الحصار بفضل التهريب والتحويلات المالية من لبنان أو تركيا». ويتفق الشاوي مع هذا الرأي بقوله: «يمكن التأقلم مع الوضع. انظروا إلى ما حصل في العراق، العقوبات تثير اهتمام وسائل الإعلام، وتضر بمصالح الشعب ولكن ليس بالنظام». لكن يمكن لفرض عقوبات اوروبية على المنتجات النفطية أن يتسبب بالضرر، لأن 95 في المئة من النفط السوري يصدَّر إلى أوروبا، وإن كان يمكن سورية ان تتجه إلى دول أخرى، خصوصاً في آسيا وأوروبا الشرقية، بحسب يازجي.