العملية الإرهابية التي استهدفت مناطق أمنية في دمشق وأودت بعدد من الضحايا السوريين، تطرح العديد من الأسئلة وتثير عدداً من المخاوف على مستقبل سورية، فلا تزال أحداث العراق ومآسيه في عامي 2006 و2007 عالقة في الاذهان. مآسٍ أدخلت العراق في حرب أهلية وأنتجت عدم استقرار سياسي وتخندقاً طائفياً لا يزال مستمراً حتى بعد انهاء الاحتلال وخروج آخر جندي أميركي من العراق. الصراعات السياسية في العراق اليوم هي استمرار لعدم الاستقرار السياسي وفقدان الثقة بين مكونات العراق، وإن لم يتداركه الساسة العراقيون، فإن العراق سيعود لا محالة إلى صراعات دموية يمكن أن تعصف بتجربة «ديموقراطية» هشة يحاول العراق ولوجَها. لا ننسى أن جل العمليات الدموية في العراق حصلت إبان وجود الاحتلال الأميركي لمن يجادل اليوم بفقدان الضمانة الأميركية مع خروج المحتل. هل نحن إذن أمام احتمال عرقنة سورية اليوم؟ ومن يستفيد من زعزعة الوضع في سورية أمنياً، وسياسياً، وطائفياً؟ هذا سؤال ضروري، خصوصاً ان سورية تعيش اليوم قتلاً خارج القانون، واعتقالات مجانية، واختفاء قسرياً لمتظاهرين، ضد النظام أو معه. كما تعرف المنطقة العربية انقسامات حادة بين دولها، بين من يرون ضرورة إنهاء النظام ومن يريدون تغييره من الداخل أو فقط تدبير الأزمة. هذه الانقسامات أرخت بظلالها على معارضة سورية منقسمة من داخلها أصلاً. كل هذا يؤثر في استمرار الأزمة السورية ويجعل من اللاعبين الإقلميين والدوليين الكثر جزءاً من المشكلة بدل ان يكونوا أداة لحلحلة الوضع السوري ويدفع المعارضة إلى ترسيخ مسببات الانقسامات بدل تفكيكها من أجل الصالح العام. هذا بطيبعة الحال لا ينفي دموية النظام السوري في تعاطيه مع مطالب إصلاحية مشروعة، فبدل الاستفادة من التغييرات الحاصلة في محيطه الجغرافي، تماهى النظام، كباقي أنظمة المنطقة، في ارتكازه على أجهزته الأمنية والمخابراتية لإنهاء التظاهرات. المعارضة السورية في الداخل والخارج محقة في مطالبتها بتغيير النظام، لكنها تلام على عدم القدرة على توحيد صفوفها ومطالبها المشروعة، والإلحاح على سلمية النضال من أجل الانعتاق من فكر الحزب الواحد والرأي الواحد، فالاختيار الصحيح وفي هذه الفترة الحرجة بالذات، مهم جداً لإبقاء الأمل موجوداً بالنسبة الى متظاهري الداخل، فالطريق صعب، والاختيار أصعب، ويمكن الاستفادة من ثورات الجوار، وسلوك إما طريق تونس/ مصر، أو طريق ليبيا. وطريق ليبيا، بحكم جغرافية سورية وتضاريسها، لن تؤدي حتماً إلى انتخابات حرة ونزيهة، ولا إلى اختيار سليم وممكن لنظام ديموقراطي يساوي بين المواطنين. عسكرة الثورة السورية لن يؤدي إلا إلى تخندق الأقليات التي لا تساند النظام ولا تطمئن لهكذا مسار. عسكرة الثورة والعمليات الدموية التي يذهب ضحيتها عشرات الضحايا المدنيين، لن تؤدي إلا إلى تخندق السوريين في طوائفهم طلباً للحماية، وترسيخ عدم الثقة بين أبناء الشعب الواحد، وبالتالي عرقنة البلد. * كاتب وباحث مغربي