من منظور ثقافي سعى البرنامج التلفزيوني السويدي «كوبرا» لتلمس أثار ما تركته كارثة 11 أيلول (سبتمبر) على حياة المسلمين والعرب في مدينة نيويورك، برَوية بعيدة عن صخب التغطيات الصحافية. وركّز، على معرفة حجم الشرخ الذي أحدثته التفجيرات بين المسلمين وبقية المجتمع، وتأثير التفاعل الحاصل بين السياسة والثقافة فيهم، بعد مرور عشر سنوات، تَغَيّر فيها وجه العالم كثيراً ومعه معالم المدينة التي دشنت في التاريخ ذاته النصب التذكاري لضحاياها، على مقربة من المساحة ذاتها التي شَغَلها يوماً مركز التجارة العالمي قبل سقوطه المُدوّي. وعلى خلفية النقاش الحاد الذي أُثير حول شَكل النصب ومكانه بدأ كريستوفر لوندستروم برنامجه التلفزيوني بحوار مع الصحافية والكاتبة الأميركية آمي والدمان حول روايتها الجديدة «التقديم» وفيها تتخيل ردود الفعل العنيفة التي سيسببها اختيار مدينة نيويورك لتصميم نصب تذكاري للضحايا من إبداع معماري أميركي مسلم، ومن خلالها تتعمق في رسم تفاصيل أحداث خَصّت واحدة من أخطر القضايا التي يعيشها المجتمع الأميركي الآن. جدال في مكان النصب نقلت كاميرا البرنامح لمشاهديها التصميم الجديد الذي أعده المعماري مايكل آراد، وخلفه تظهر عمليات البناء المستمرة لناطحة السحاب البديلة، والتي ستحمل اسم «مركز تجاري عالمي واحد» كما صوت عليها النيويوركيون، وإلى جواره وقفت الصحافية والدمان وعرضت نظرتها للحدث: «الفكرة جاءت بعد ثلاث سنوات من التفجيرات، وعلى معلومة مفادها أن نصب ضحايا حرب فيتنام وضعته معمارية أميركية من أصل صيني تدعى مايا لين، وقد أثار فوزها حين ذاك جدلاً كبيراً بين الناس والمثقفين، تركز في جوهره حول أصلها «الآسيوي لا على قدراتها الهندسية أو جودة مشروعها، وقد تَصورت الحال نفسها لو فاز في مسابقة نصب 11 سبتمبر معماري مسلم، فسترتفع الأصوات محتجة». وعن تأثيرات ما كتبت قالت والدمان: «تجربتي في تغطية الحدث لصحيفة «نيويورك تايمز»، وَلَّدت عندي أحاسيس طغت عليها المرارة، لكنني وحين ذهبت كمراسلة إلى باكستان وأفغانستان تشكلت عندي قناعات جديدة وفهمت، إلى حد كبير، لماذا يكرهنا الناس هناك بخاصة بعدما تدخلنا عسكرياً في بلدانهم، من هنا لا بد من إدراك ما حدث وفق رؤية أوسع تتفهم الآخر، ومع كل هذا لم أُقَدم وجهات نظر السياسيين، الموزعة بين يمينيين يكرهون الإسلام وبين ليبراليين يعتقدون بأن المعسكر الثاني لا يفقه شيئاً، بمقدار حرصي على عرض وجهة نظر الأميركيين العاديين بالمسلمين والعرب بعد الأحداث». ولنَقل صورة عن الاستغلال السياسي المحترف الذي يعتمد على تَهيّج المشاعر وتوسيع الفرقة، سجل البرنامج جزءاً من خطاب للناشطة اليمينية باميلا جلير من «جمعية نشطاء المدافعين عن الحرية» ضمن الحملة التي رافقت بناء المركز الثقافي الإسلامي الذي لا يبتعد كثيراً عن مكان البرجين إذ قالت: «هذه إهانة وشتيمة لنا». ولتطرفها اضطر عمدة المدينة مايكل بلومبيرج إلى توضيح الحقائق وفي شكل حاسم وساخر: «من لا يعجبه فليتجنب الذهاب إليه والحقيقة أن المركز كان موجوداً قبل الأحداث وفي منطقة تزدحم بالمطاعم ومحال العروض «الإباحية» ومحال بيع الأطعمة السريعة فهذه هي نيويورك!». أما عثوره على كتاب رسومات الأطفال الجديد، المعنون: «لن ننسى أبداً الحادي عشر من سبتمبر: كتاب الأطفال عن الحرية» فشَكل كشفاً للبرنامج لما فيه من خطورة تتعلق بتربية الطفل الأميركي وتغذية عقليته بكراهية المسلمين والعرب بدلاً من أن يكون كتاب رسومات عادياً مليئاً بصور الغابات والحيوانات الملونة، كما علّق معد البرنامج أثناء لقاء ناشره الأميركي واين بيل الذي برر نشره الكتاب بالآتي: «كل عام يتعلم ما بين 18 إلى 20 مليون طفل أميركي القراءة والرسم وإذا ما سَأل أحدهم عما يعنيه الإرهاب أو ما هو 11 سبتمبر؟ فبإمكان أهلهم عرض هذا الكتاب عليهم فهو بسيط وبمستوى مداركهم كما أنهم سيساهمون بتلوين صوره بأياديهم». انشقاق ردود الفعل على الكتاب لم تكن قليلة ووصفه أحد المتحدثين للبرنامج واسمه سيروس مكغولدريك بأنه «سيئ لتكريسه الانشقاق بين الديانات... إنه كتاب يغذي الخوف والكراهية بدلاً من ثقافة الشراكة التي نحن بأمس الحاجة إليها اليوم». وعلى مستوى ثقافي آخر، توسع النقاش واتسع به انقسام المشهد الثقافي وصل إلى درجة ربط بها بعض السياسيين ورجال الإعلام بين إغلاق «متحف المتروبوليتان للفنون» لأسباب الصيانة الدورية عام 2003 وبين الأحداث، وعن تجربتها الشخصية فيها قالت المرشدة الثقافيه نافين حيدر: «لقد ربط البعض بين إغلاق المتحف وبين استعداد أميركا لاحتلال العراق بل اعتبره بعضهم دليلاً على نيتها المسبقة في هذا الاتجاه، والحقيقة أن كل هذا ليس له علاقة بالواقع الذي يستند إلى برامج إدارية أَقرت مسبقاً تواريخ الترميمات ووقت الانتهاء منها». وأشارت إلى جانب إيجابي وسط الجو المكفهر الذي ساد افتتاحه الجديد: «نحن معنيون بالجانب الثقافي والتاريخي ولا علاقة لنا بالسياسة وهذا ما ينقله جو المتحف إلى زواره بصرف النظر عن موقفهم من المسلمين والعرب. بل على العكس نحن نشعر بالتأثير الإيجابي للمقتنيات المعروضة في الزوار والتي تترك غالباً انطباعات جميلة عندهم توحي بأنهم يريدون طي صفحة الماضي والاهتمام بما يغني المعرفة ويوسع مساحتها». وبالروحية ذاتها يشتغل صاحب مجلة «بدون» الثقافية باباك رادبوي، المعنية بثقافة الشرق. وعن دور المجلة، قال في البرنامج السويدي: «هاجسنا ليس الدفاع عن الثقافة المشرقية بمقدار حرصنا على تقديم إبداع تلك المنطقة عبر مجلة جادة وثقيلة المستوى يساهم فيها روائي كبير مثل التركي الحائز على جائزة نوبل أورهان باموق وتكتب فيها الفنانة العالمية المتنوعة المواهب ومغنية البوب ميا، فالشرق في النهاية ليس وحدة متكاملة، الثقافة فيه متنوعة وتكتنفه أفكار متصارعة، مهمتنا عرض المتغيرات التي تظهر على سطحه بموضوعية، وهذا ما حاولناه في عددنا الأخير الذي كرسناه لثورة 25 يناير في مصر، فهذا كله مؤشر على الحراك الاجتماعي، والمشكلة أن كثراً هنا ما إن تذكر كلمة الشرق حتى تقفز إلى أذهانهم صور التخلف والعنف. من هنا فإن مساهمات المثقفين الشرقيين في المجلة تساهم في تغير النظرة السلبية إلى المنطقة وتعيد تشكيل صورتها الحقيقة في ذهن المواطن الأميركي».