من إمام جامع صغير في مدينة نيويورك، وجد المهاجر الكويتي فيصل عبد الرؤوف نفسه وسط معركة إعلامية وسياسية أميركية في العام الماضي، شغلت كثراً حول العالم، ولا تزال تثير جدالاً بين أميركيين. فبعد الإعلان عن نية فتح مركز إسلامي، يضم قاعة للصلاة، يبعد أمتاراً قليلة عن المنطقة التي كان يقف عليها مركز التجارة العالمي، انطلقت احتجاجات على المشروع، اعتبرت قرب المكان، إساءة لذكرى ضحايا اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر). وسرعان ما تصدر عبد الرؤوف الأخبار في واحدة من تلك اللحظات الخاصة في تاريخ الولاياتالمتحدة، عندما يعود الأميركيون للسؤال عن هويتهم الخاصة وتركيبتها المميزة، لتصبح «اللحظة» تلك مناسبة لتجديد أسس تلك الهوية. عن تلك الأسابيع العصيبة، وعن السنوات التي أعقبت تدمير برجي التجارة العالمية، يتحدث الإمام مع زوجته المسلمة التي تنحدر من أصول هندية (ديزي كاهان) في حلقة كاملة من البرنامج الفكري الهولندي «10 سنوات من الحادي عشر من سبتمبر» الذي يعرض على شاشة القناة الهولندية الرسمية الثانية. تبدأ الحلقة، بمشاركة الإمام وزوجته بقداس يقام بصورة دورية على نية ضحايا 11 أيلول. وليست هذه المشاركة جزءاً من دعاية ما، أو خدمة للبرنامج والمناسبة، فالإمام وزوجته يحضران بصورة دورية هذه المناسبات التي تتذكر الضحايا، بخاصة أنهما يعرفان ناساً قتلوا في تلك الهجمات الإرهابية، ومنهم مسلمون. ولكن وبسبب هوية الذين يقفون خلف هذه التفجيرات، أضحى حزن المسلمين الأميركيين على الضحايا، أمراً غير مقبول، بحسب الإمام، بل هو يكمل ليصف المناخ الذي ساد في أميركا بعد الانفجارات بأنه «سرق حزن الأميركيين المسلمين على ضحايا مدينتهم وبلدهم». لا يتضمن حديث الإمام أو زوجته للبرنامج، لغة عدائية عنيفة مثل تلك التي سادت الخطاب اليميني الأميركي أثناء الأزمة. هما يحاولان تحليل ما حدث من دون أن يخفيا حزنهما وجهدهما لإقامة علاقات طيبة بين مؤسسات إسلامية والمجتمع الأميركي (عمل فيصل عبد الرؤوف لثلاثة عقود تقريباً إماماً لجامع في نيويورك)، خصوصاً أن هذا الجهد تبدد الكثير منه بعد الأحداث المؤلمة. وعلى رغم إن الاهتمام الإعلامي اتجه إبان الأزمة الى الإمام فيصل عبد الرؤوف، يكشف البرنامج الهولندي بعضاً من نشاط زوجته ديزي كاهان التي تخلت عن عملها كمهندسة معمارية بعد 11 أيلول، لتتفرغ لآخر ذي طابع اجتماعي نسوي في مدينة نيويورك. إذ باتت تلقي في صورة دورية محاضرات، تتحدث فيها عن الهويات الإسلامية المتنوعة، وضرورة أن يشترك مسلمو الغرب بجهد جماعي لتغيير صورتهم. ومن لقطات أرشيفية من العام الماضي للسياسي الهولندي اليميني المتطرف خيرت فيلدرز الذي دعته شخصيات أميركية يمينية لإلقاء خطبة قرب المركز الإسلامي، وصف فيها المسلمين الأميركيين أصحاب المشروع، بأنهم «ذئاب بجلود خراف»، تنتقل الحلقة الى الإمام فيصل عبد الرؤوف الذي يؤكد أن أزمة المسلمين في الولاياتالمتحدة عابرة، ويشبهها بتلك التي مرت على اليهود الذين هاجروا الى البلد الجديد وأيضاً بالمسيحيين الكاثوليك الذين واجهوا دعوات كره وتشكيك من البروتستانت الإنكليز في مرحلة معينة. ومن المطبخ الصغير في بيته الأميركي، وأثناء تحضيره برفقة زوجته وجبات من أصول مختلفة، تحدث الأمام بتفاؤل عن أثر «الربيع العربي» في تحسين صورة المسلمين في أميركا، لتختتم الحلقة بمشاهد ليلية لمدينة نيويورك من شباك العائلة الصغيرة، وفيها بدت المدينة هادئة... والمستقبل أقل تشاؤماً.