طالب إداريون بارزون في «غرفة صناعة وتجارة البحرين» أخيراً، محافظ المصرف المركزي رشيد المعراج، بإلزام المصارف خفض فائدة القروض المقدّمة إلى القطاع الخاص. ورفض المحافظ هذا الطلب إذ إن تفادي التدخّل في شؤون المصارف خارج إطار دور المصرف المركزي كمنظم ومراقب، هو ما حوّل البحرين إلى مركز مالي، مؤكداً أن سوق البحرين المالية ليست كبيرة مقارنة بأسواق إقليمية مثل السعودية والإماراتية، ومشيراً إلى أن حسابات المصارف تُظهر أن أرباحها المحققة ليست ضخمة أو أكبر من المألوف. وعاد التجّار بعد أسابيع مخاطبين المصارف مباشرة، بعد اقتناعهم بمحدودية قدرة «المركزي» على التدخل، متسلحين بترسانة معلومات لإقناعها بالمساهمة في تجاوز تداعيات أحداث شباط (فبراير) وآذار (مارس) الماضي. ويعمل في البحرين 412 مؤسسة مالية، بينها 83 مصرفاً تقليدياً و27 إسلامياً و122 شركة تأمين، و48 مؤسسة استثمارية و92 مصرفاً خاصاً، وست شركات وساطة مالية وبضعة صناديق استثمارية مشتركة. وذكّرت الغرفة القطاع المصرفي بأدائه الجيد خلال الربع الأول من العام الماضي، من خلال مؤشرات الربحية وكفاية رأس المال أو السيولة. وكان «المركزي» رخّص ل11 مؤسسة عام 2011، ما يعكس استمرار جاذبية سوق البحرين حتى خلال الأزمات السياسية الداخلية وتأثر السوق المحلية بالأزمة المالية العالمية. ودعا الرئيس التنفيذي للغرفة إبراهيم اللنجاوي في بيان، المصارف البحرينية إلى تغيير فلسفتها ولعب دور تنموي أكبر لانتشال الاقتصاد من ركوده، متهماً إياها بعدم الاستجابة في شكل يتلاءم ومستجدات السوق. واعتبرت الغرفة أن المصارف لم تُطلق مبادرات تنموية لمساعدة الاقتصاد البحريني ومؤسساته المتعثرة، بل اقتصرت جهودها على دور وصفته ب «الخجول»، على رغم تحقيقها أرباحاً جيدة أخيراً، مذكّرة المصارف بأن دورها يتمحور حول تجميع مدخرات محلية وتحويلها إلى استثمارات. لكن الغرفة تواجه ثلاث عقبات، تتمثل الأولى في أن سوق المال البحرينية لم تمر، مثل بقية دول الخليج، بمصاعب تمويل حتى في أوج الأزمة المالية، لكن المصارف لم تكن تواجه أزمة تمويل أو شحاً في رؤوس الأموال المخصصة للاستثمار، كما أن الخوف من انتقال الأزمة يُنتِج أعراضاً تشبه أعراض الإصابة بالأزمة ذاتها. أما العقبة الثانية، فتتمثّل في أن مصارف البحرين تبحث عن أفكار ومشاريع واعدة، وهي مستعدة لإيجاد التمويل اللازم إن وُجد مشروع مناسب، لكنها لن تحل محل المستثمر في تحمّل الأخطار. وما يحدث حالياً من تراجع نسبي في النشاط الاستثماري ليس نتيجة انعدام الفرص، أو شح الأفكار الإبداعية، بل نتيجة حال الانتظار التي تسود في أوساط المستثمرين، والتي بدأت مع التصعيد الإعلامي حول انتشار الأزمة وآثارها المدمّرة، من عواصم المال التقليدية إلى المؤسسات المالية الخليجية، لتأتي بعدها أحداث شباط وآذار وتزيد القلق حول المستقبل. وتتمثل العقبة الثالثة في وجود مؤسسات ومشاريع تعرض مساعدتها على شركات تعثرت بسبب الأوضاع الحالية. ويصل الدعم أحياناً إلى تحمّل تكلفة عالية يجعل خيار التوجّه إلى المصارف أمراً مستبعداً من جدول أعمال تلك الشركات. فهناك «مصرف الأسرة» و «بنك الإبداع» اللذان يساعدان المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة، في حين يدعم «بنك التنمية» المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بينما يضخ «صندوق العمل» (تمكين) في موازنات الشركات المحلية، أموالاً كدعم غير قابل للإعادة من دون شروط، عدا أن تكون المشاريع ذات جدوى اقتصادية. ويعود كل ذلك الجدل بين غرفة البحرين والمصارف إلى المربع الأول، إذ ترى الأخيرة أن المطلوب هو قبول الاحتكام إلى السوق لتحديد نسب الفائدة على القروض المقدّمة إلى طالبيها أو تلك المقدّمة إلى المودعين لديها، إذ تشعر بأن السوق متخمة بالأموال. ولا تُلام الغرفة في مطالبتها المصارف بخفض فائدة القروض، إذ تعتقد أن الاضطرابات في البلد تحتاج إلى حزمة حلول، من بينها محاولة خفض فوائد الإقراض، مفضّلة أن يحصل ذلك عبر مبادرة المصارف، بدلاً من تدخّل أي جهة رسمية. ويبقى الأمر مرتبطاً بتحمّل الأخطار لا بشح التمويل وتكلفته.