عندما تولى كيم جونغ إيل الراحل زمام الأمور في 1994 كان يبلغ من العمر 51 عاماً وحكم في ظل أبيه. لكنه ورث بلداً في حال سيئة: مواجهة مع الولاياتالمتحدة حول البرنامج النووي، وأزمة اقتصادية حادة فاقمها انهيار الاتحاد السوفياتي والتطورات في الصين (ما أسفر في العام التالي عن مجاعة مأسوية) وعزلة ديبلوماسية. كان منتظراً حينها الانهيار الوشيك للنظام. لكن العداء (الخارجي) يصلّب هذه السلطة أكثر مما يضعفها عبر زيادة اللحمة حول الزعيم. وبعد ثمانية عشر عاماً لا يزال النظام قائماً. ولا يبدو ان استعجال سقوط النظام هو هدف الولاياتالمتحدة وحلفائها الكوريين الجنوبيين واليابانيين، الذين يقيسون العواقب المثيرة للاضطرابات في المنطقة. والصين، اي الحليف الوحيد لجمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية. المعطيات المجهولة هي المعطيات الداخلية. ورث كيم جونغ إيل في 1994 بلداً مفلساً، لكن كيم كان في السلطة بحكم الأمر الواقع، وعزز موقعه بالاستناد الى الجيش. في حالة كيم جونغ اون، بدا ان الوراثة بالكاد بدأت قبل أقل من عامين اثناء مؤتمر اعضاء حزب العمل في أيلول (سبتمبر) 2010... وكيم الشاب الذي دفعت به وفاة أبيه الى مقدم المشهد، لا يتمتع بهالة جدّه ولا بمعرفة دوائر السلطة التي كانت لوالده. تتوقع أكثرية المحللين ان تشتغل الوراثة في الشهور المقبلة من دون اضطرابات كبيرة بفضل انشاء نوع من مجلس الوصاية مؤلف من الاعضاء المقربين في العائلة: عمّه بالمصاهرة جانغ سونغ-تايك (وهو زوج شقيقة كيم جونغ إيل)، وهو شخصية قوية في جهاز الحزب وأجهزة الاستخبارات. اللقب الوحيد الذي يحمله كيم جونغ أون هو نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية برتبة جنرال بأربع نجوم. وكان تعيينه في أيلول 2010 مؤشراً على عودة حزب العمل الى الصف الأول بعدما هُمّش وفق مبدأ «أولوية الجيش» في عهد كيم جونغ إيل. وفي إعلان وفاة هذا، أشير الى اللجنة المركزية للهيئة العسكرية قبل لجنة الدفاع الوطني وهي الهيئة الأعلى في الدولة التي كان يترأسها كيم جونغ إيل. وكان الجيش في نهاية التسعينات من القرن الماضي القوة الوحيدة القادرة على تنظيم بلد تعمّه الفوضى. و «نهوض» الحزب مسألة حساسة منذ اعتماد مبدأ الوراثة. ويرى مراقب أن اللجنة المركزية العسكرية والتي كان كيم جونغ أون نائب رئيسها، هي الآن أوسع نفوذاً من لجنة الدفاع الوطني. ويمكن «نهوض» الحزب ان يرسم، وفق بعض المحللين، الانتقال من حكم تسلطي الى حكم تسلطي «تعددي» تتنافس فيه المؤسسات – الجيش والحزب والحكومة - لدفع خياراتها التي يقبع الزعيم بينها. ووفق التحليلات هذه، لا تستثني مركزية السلطة تداول الآراء المختلفة داخل النظام حتى لو انحاز الكل في النهاية الى قرار الجالس على القمة. ويبدو مستبعداً وقوع انقلاب عسكري على المدى القصير. فمن مصلحة النخبة ضم صفوفها حول كيم الشاب للحيلولة دون المجازفة بانهيار البناء برمته. وتجاوز الصراعات الداخلية التي يمكن ان تستغلها قوة خارجية (الصين) هو واحد من الأسباب التي تستخدمها بيونغ يانغ لتبرر توريث ابن كيم. بيد ان كل تسيب او ظهور لفراغ في السلطة يمكن أن يشجع طموحات كامنة في الظل. ولتجنب مجازفة كهذه، هل يعمد الزعيم الجديد الى إظهار إمساكه بالمقاليد عبر تبني التصلب حيال الخارج؟ المجهول الأخير: قدرة السكان على التحمل. . * مراسل، عن «لوموند» الفرنسية، 28/12/2011، إعداد حسام عيتاني