قبل ثلاث سنوات، شن الجيش الاسرائيلي هجوماً عسكرياً كبيراً ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بهدف وقف القصف منه والإفراج عن أحد جنودهم الذي كان محتجزاً في القطاع. قتل أكثر من 1,400 فلسطيني بينهم الكثير من النساء والأطفال وجرح الآلاف وتكبدت الممتلكات العامة والخاصة وتلك التي تملكها جهات دولية أضراراً نتيجة الهجوم الذي جاء من البر والبحر والجو. فشلت الأهداف المعلنة والمصرح عنها في هذه الحرب الإجرامية ضد سكان محاصرين ومقاتلين مسلحين تسليحاً خفيفاً. تواصل القصف من قطاع غزة في شكل متقطع منذ بداية الحرب وتباطأ إلى حد كبير نتيجة قرار أحادي الجانب من جانب «حماس» وكان يمكن أن ينتهي على الفور لو أن اسرائيل تعاملت مع الحركة الاسلامية. أما بالنسبة الى الجندي الإسرائيلي الأسير، فإن الإسرائيليين كانوا مضطرين أن ينفذوا ما قدمت لهم «حماس» منذ اليوم الأول، أي مبادلته بفلسطينيين مسجونين. إسرائيل و «حماس» بدرجة أقل، اتهمتا من قانونيين دوليين مشهورين معينين من الأممالمتحدة بارتكابهما جرائم حرب. بعد ضغوط شديدة عليه وعلى عائلته، كتب رئيس لجنة الاممالمتحدة القاضي ريتشارد غولدستون وهو من جنوب أفريقيا مقال رأي مغيّراً فيه بعضاً من استنتاجات اللجنة التي كان يرأسها، ولكنه لم يقدم أي تغيير رسمي في التقرير الذي كان قد قُدم للأمم المتحدة. لقد استمر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة وتم تبريره علناً من جانب البلدان الرئيسة في العالم، على رغم أنه كان وسيظل حصاراً غير قانوني تماماً. لم توافق أية هيئة دولية على تقييد حركة الناس والبضائع من وإلى قطاع غزة. وقد أدت الجهود الدولية لكسر الحصار إلى تخفيفه وذلك بحكم الأمر الواقع. وللأسف، فهذا الجهد كلف حياة تسعة من نشطاء السلام الأتراك (بينهم مواطن أميركي من أصل تركي). ومنذ ذلك الوقت انهارت علاقات إسرائيل مع عضو في حلف الناتو نظراً لرفضها الاعتذار عن قتل الأتراك في مياه دولية. وفي حين أدى التخفيف الطفيف للحصار (لا سيما في ما يخص مواد البناء) إلى بدايات لإعادة الإعمار، فإن هناك حاجة إلى أكثر من ذلك بكثير. لقد تدفقت ببطء في قطاع غزة المأهول بالسكان مئات الملايين من الدولارات التي تم التعهد بها في مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار غزة، ولكن معظمها ذهبت إلى، أو من خلال، منظمات دولية مثل وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). وسواء كان التغيير قد تم نتيجة «الربيع العربي» (بخاصة في ما يتعلق بمقر «حماس» في دمشق) أو نتيجة أسباب أخرى، فإن «حماس» شهدت ببطء تغييراً ملحوظاً منذ سنوات عدة. والحكم يمكنه فعل الكثير للتخفيف من الايديولوجيات الحزبية: فالخوف من الإخفاق في الانتخابات المقبلة يمكن أن تنتج منه أشياء مذهلة لتليين الجوانب الحادة لأية حركة سياسية. في هذا الصدد، فإن جهود المصالحة الفلسطينية قد أسفرت عنها بعض التغييرات التي لم يسبق لها مثيل في الخطاب السياسي وكذلك في الأعمال اليومية لحركة «حماس» والحكومة المقالة. ويعلن خالد مشعل، قائد «حماس» الآن تغيير استراتيجية المقاومة في حركته. فمن الآن فصاعداً، فإن «حماس» تعتبر المقاومة الشعبية ضمن أولوياتها في كل أنشطتها. ويترجم هذا الموقف على الارض في غزة من طريق امتناع الحركة من اطلاق صواريخ باتجاه اسرائيل واعتقال ومنع أي فرد أو مجموعة من القيام بذلك. ويفسر ذلك بأنه ضروري لأجل المصلحة العليا للفلسطينيين في غزة. سياسياً، فإن حركة «حماس» تزيل ببطء كل القضايا التي تسببت بعزلتها الدولية. وبالموافقة على الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، فإنها تعترف بإسرائيل في شكل غير مباشر، وهو الأمر الذي قامت به رسمياً منظمة التحرير عشية اتفاقات أوسلو عام 1993. دولياً، فإن المجتمع الدولي لن يكون قادراً على تبرير استمرار عزل «حماس» حتى لو أصرت اسرائيل على ذلك. فالولايات المتحدة وقادة غربيون آخرون أعلنوا عن استعدادهم للعمل مع جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم من الاسلاميين الذين فازوا بالانتخابات أو السلطة في تونس وليبيا ومصر. إن غزة في نهاية 2011 ليست هي نفسها كما كانت في نهاية 2008 سلبياً وإيجابياً على السواء. و «الربيع العربي» يتطلب أن تتم إزالة الحصار الحالي وجميع آثاره مرة وإلى الأبد حتى يتمكن الفلسطينيون في قطاع غزة من العيش في شكل طبيعي مع القدرة على التحرك من وإلى قطاع غزة وإلى إخوانهم الفلسطينيين في الضفة الغربية والعالم من حولهم على حد سواء. كما ينبغي أن تتمتع البضائع الفلسطينية والشعب الفلسطيني من الضفة الغربية بالحق في التنقل من دون قيود الى القطاع ومن دون أن يمنعهم حصار غير قانوني وغير أخلاقي. * صحافي فلسطيني