يفتح استقطابُ الحكومة العراقية فصائلَ مسلحةً على خلاف مع اطراف سياسيين، البابَ لعودة لصراعات قديمة بين تيارات عدة. وفيما اعتبر تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر دمْجَ مجموعة «عصائب اهل الحق» في العملية السياسية محاوَلةً من الحكومة لإضعاف نفوذه، أكد أن قيادة العصائب موجودة في إيران، متهماً طهران برفض طلبه تغيير هذه القيادة، كما أدرج جهود الحكومة لعقد صلح مع جماعات سنية مسلحة في خانة المحاولات لإضعاف السياسيين السنة. وفي أول ظهور علني لزعيم «العصائب» قيس الخزعلي في بغداد، قال خلال مؤتمر صحافي إن الجيش الأميركي انسحب لكن أميركا مازالت تستخدم نفوذها في العراق. وقال الزعيم الشيعي مقتدى الصدر امس، إنه طالب مسؤولي «العصائب في ايران بتغيير اسمها وقيادتها، لكنهم رفضوا ذلك بسبب عشقهم للسياسة وكراسيها». وأضاف في رد على سؤال لأحد أنصاره: «حين جاءت فرصة الانتخابات بانت نواياهم (مسؤولو العصائب) ومدى عشقهم للسياسة الدنيوية وكراسيها». ولفت الى أن الجماعة «سلمت أسلحتها لتنخرط في العملية السياسية بعدما كانت تقتل أفرادها، ابتداءً بصالح العكيلي»، في اشارة الى نائب عن تيار الصدر اغتيل شرق بغداد نهاية عام 2008. واتهم هذه الجماعة ب «الاستمرار في قتل الجيش والشرطة بحجة عمالتهما»، وتساءل مخاطباً قادة «العصائب» وعناصرها: «لماذا تنخرطون مع العملاء؟». وردّت «العصائب»، التي اتهمها الصدر بارتكاب أعمال قتل طائفية واعتبر انصارها «قتلة لا دين لهم»، على الاتهام في مؤتمر صحافي قبل ايام، قال خلاله الناطق باسمها عدنان الدليمي، إن «الاتهامات محاولة للتسقيط السياسي»، أما الخزعلي، فقال إن العصائب: «شاركت في تنفيذ 5337 عملية ضد القوات الاميركية، بينها العشرات من العمليات النوعية التي دمرت وزلزلت قوات الاحتلال، فضلاً عن تقديمها 294 شهيداً عراقياً». وتابع أن «انتصار الشعب العراقي على الاحتلال الأميركي في القرن 21 أعظم من انتصاره في ثورة العشرين»، واستدرك ان «ما تحقق من انتصار على الولاياتالمتحدة كان على مستوى الانسحاب فقط، وأميركا مازالت تستخدم نفوذها الأمني والاستخباراتي في العراق، وربما ستزيده في المستقبل». وكان الشيخ أبو محمد الساعدي، القيادي السابق في «جيش المهدي»، حذّر في تصريح الى «الحياة» من انفجار أزمة جديدة «إذا استمرت الحكومة في استقطاب الجماعات المنشقة عن الصدر، قد تصل إلى حد القطيعة مع حزب الدعوة»، معتبراً الظهور العلني للخزعلي في النجف قبل ايام «رسالة استقواء بالحكومة لمواجهة نفوذ الصدريين في المدينة».ولم تكن اشارة الصدر الى تلقي مجموعات منشقة عنه الدعم من ايران، الاولى من نوعها، إذ سبق ان طالب طهران بإعادة إسماعيل اللامي الملقب «ابو درع»، وهو احد اكبر المتهمين بارتكاب اعمال قتل طائفية جماعية بين عامي 2006 و2007، إلى بغداد، وقال: «لقد طالبنا بإرجاعه إلى العراق لكن لم يستجيبوا طلبنا». ويعتقد مراقبون بأن الحكومة العراقية التي يتزعمها رئيس الوزراء زعيم «حزب الدعوة» نوري المالكي، تحاول عبر استقطاب جماعات مسلحة شيعية وسنية، إيجادَ حلفاء من خارج الطبقة السياسية المعروفة. وكان أمير السلفية الجهادية في العراق الشيخ مهدي احمد الصميدعي، حضر مؤتمر المصالحة الاخير في بغداد، وقال إن «التحديات والعقبات التي يمر بها العراق تؤشر إلى مستقبل غير واعد، وعلى الأمة الواعية التي تريد العيش الكريم أن تضع نصب عينيها هذه الأحداث». وأضاف: «بعد السنين العجاف التي عاشها العراق خلال السنوات الماضية وانتهت بخروج الاحتلال، علينا ان نجعل هذه الهبة والمكرمة التي وهبها الله لنا، بدايةً لتوحيد الآراء والمواقف بين مكونات الشعب العراقي». وتتجاوز مخاوف تيار الصدر التطورات السياسية، وتمتد الى الصراع التاريخي التقليدي بين شقي المرجعية الشيعية العربي والفارسي. وقال الساعدي إن «المخاوف الأكبر هي من تحول هذه القوة العسكرية والسياسية التي تضم الجماعات المنشقة عن الصدر إلى مرجعية آية الله محمود الشهرودي التابع لولاية الفقيه الخامنئي في إيران، والذي أصبح مقيماً في النجف منذ فترة».