احتفلت مئات من الأسر المسيحية في محافظة أربيل بأعياد الميلاد، بعضها لزم المنازل بعيداً من الصخب والضوضاء والامطار، وبعضها الآخر اختار حضور الحفلات الساهرة حتى ساعات الفجر. لكن احتفالات هذا العام لم تخل من هواجس الأقلية المسيحية، التي تمتعت بخصوصية وظروف أمنية واقتصادية مستقرة مقارنة بالمسيحيين في بقية المحافظات خارج الإقليم، كبغداد ونينوى وكركوك وغيرها. وتفاقمت هذه الهواجس عندما أقدم شبان خرجوا من صلاة الجمعة مطلع كانون الأول (ديسمبر) الماضي، على حرق مرافق سياحية ومحلات لبيع الخمور وتدميرها في قضاء زاخو التابع لمحافظة دهوك، وما تبع ذلك من أعمال عنف نفذها مناصرون للحزب «الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، طاولت مقرات حزب «الاتحاد الإسلامي» المعارض الذي اتهموه بالوقوف وراء تأجيج العنف. ولم تكن النفوس قد هدأت بعد عندما سجل خطف لشاب مسيحي في ناحية عنكاوا (4 كلم شمالي اربيل)، وطلب الخاطفون 500 ألف دولار فدية، لكن الجميع تنفس الصعداء عندما تمكنت قوات الأمن من تحريره بعد نحو ثلاثة أيام واعتقلت خاطفيه الأربعة، مع بدء الاستعدادات للاحتفال بأعياد الميلاد. مساعي بارزاني الشخصية في احتواء أحداث دهوك ونجاح عملية تحرير الشاب المسيحي هدّأت الأجواء، إلا أنها أعادت إلى ذاكرة العديد من المسيحيين شبح الهجرة مجدداً، على رغم القيود التي فرضتها معظم الدول الأوروبية على طالبي اللجوء من العراقيين، وأصبح الحديث يدور مجدداً على أن المستقبل أصبح مجهولاً ولا بد من البحث عن بديل كان خيار آلاف المسيحيين منذ تسعينات القرن الماضي وحتى الآن، خصوصاً مع دخول البلاد برمتها في أزمة سياسية رافقت الانسحاب الأميركي ووُصفت بأنها «الأخطر» منذ سنوات، بعد مذكرة اعتقال صدرت بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي. لكن التحدي على المستويين الرسمي والشعبي كان حاضراً، وهذا ما بدا واضحاً لدى التجول في أربيل أو عنكاوا ذات الغالبية المسيحية، حيث الأعداد الهائلة من النشرات الضوئية ذات الأشكال والألوان الزاهية زينت الشوارع والساحات العامة والبيوت، إلى جانب الاستعداد الأمني، هذه الأجواء يراها بعض المحللين في إطار التحديات التي تواجه التعايش بين مكونات الإقليم ن وسط صعود التيارات الإسلامية . وفيما أعلنت الكنائس في مدن عراقية مختلفة عدم اقامة الاحتفالات بعد التفجيرات التي طاولت بغداد اخيراً، وتزامن المناسبة مع أداء شيعة العراق طقوس عاشوراء التي تستمر في العراق أربعين يوماً، فإن احتفالات الأعياد في أربيل كانت لافتة، واستضافت هذه المدينة أخيراً حفلات فنانين عرب وإيرانيين، منها واحدة أحيتها الفنانة اللبنانية التي تحظى بشعبية واسعة في الإقليم نانسي عجرم، والتي شهدت إقبالاً جيداً، وراوحت أسعار تذكرة الحضور بين 100 و500 دولار، وهي أسعار مرتفعة جداً بالمقارنة مع الحفلات التقليدية.