نُصبت أشجار عيد الميلاد في منازل بعض العائلات المسيحية في إقليم كردستان العراق هذا العام، لكن بعضها اكتسى بأشرطة سوداء بدل أن تغطيه الزينات المزركشة المعتادة، حداداً على ضحايا الهجوم الذي نفذه تنظيم «القاعدة» على كنيسة سيدة النجاة في بغداد وأودى بحياة 46 شخصاً قبل أسابيع. وقال قريب لأحد ضحايا الهجوم يعيش في أربيل، وطلب عدم ذكر اسمه: «هويتنا المسيحية يجب أن نؤكدها مهما كانت الظروف والاعتبارات، وشجرة الكريسماس هي هويتنا في هذه الفترة، ولن نتنازل عنها، لكننا سنكتفي بشريط اسود يلف الشجرة بطولها، شريط أسود فقط». ولم تعد أجواء أعياد الميلاد والاستعدادات لها كما كانت قبل الغزو الأميركي للعراق العام 2003، بسبب الظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها البلاد والاستهداف المستمر للكنائس ومنازل العائلات المسيحية، إلا أن العيد هذا العام حمل وجهاً آخر وطابعاً مختلفاً. وقرر المسيحيون في معظم أنحاء البلاد إلغاء الاحتفالات بهذه المناسبة للتعبير عن الحزن والحداد على أرواح ضحايا مجزرة كنيسة سيدة النجاة، وتنديداً باستمرار التهديدات الإرهابية لهم التي دفعت عائلات كثيرة إلى النزوح إلى إقليم كردستان، حيث أحيت عيد الميلاد بالصلوات فقط، وهي تحاول جاهدة ألا تنعكس مخاوفها وأحزانها على أطفالها. وتعاني غالبية العائلات المسيحية النازحة من بغداد والموصل إلى مدن إقليم كردستان، خصوصاً مدينة عنكاوا في محافظة أربيل، أوضاعاً معيشية صعبة للغاية، إضافة إلى شعورها بعدم الاستقرار. وتقول كاترينا حنا، وهي أم لثلاثة شبان إنها نزحت مع أولادها من بغداد إلى أربيل قبل شهر «خوفاً من الظروف الأمنية، لكن ظروفاً أخرى لا تقل تأثيراً عنها تواجهنا». وأوضحت أن «المكان جديد علينا ونحن غير معتادين عليه... إضافة إلى ضيق البيت الذي نسكن فيه مع عائلة أخي، حيث يكاد المكان لا يكفي للمرور. لقد سمموا علينا أجواء العيد أيضاً». ويتساءل سالم دانيال، الذي نزح بعائلته من الموصل إلى عنكاوا أخيراً: «عن أي عيد يتحدثون؟ هل بقي لنا أي عيد؟». ويضيف متأثراً: «جُلّ ما أحاول عمله الآن هو إخفاء ألمي أمام أطفالي لأرسم الابتسامة على وجوههم. العيد لم يعد موجوداً». وأعلن معظم كنائس العراق خلال الأيام الماضية وقف جميع أنواع الاحتفالات بأعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة، اثر استمرار أجواء التهديدات. وقال المعاون البطريركي الكلداني المطران شليمون وردوني، إن وفداً من رجال الدين العراقيين «طالب الاتحاد الأوروبي بتوفير الحماية لمسيحيي العراق، كما اقترحنا تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق». ورأى أن أبرز أسباب استهداف المسيحيين هي «التزمت الديني المتصاعد ودوافع سياسية وقلة الوعي بحقوق الإنسان». وكانت حكومة إقليم كردستان العراق دعت المسيحيين في مختلف أنحاء البلاد إلى إحياء احتفالات عيد الميلاد في مدن الإقليم، وخصصت موازنة كبيرة لرعاية هذه الاحتفالات، وقامت مديريات البلديات بتزيين الأشجار والشوارع والحدائق والساحات العامة.