لم يمدح شيء طوال العام الذي ينقضي بمقدار ما مدح الإعلام، الى درجة ان هناك ما يغري باعتبار هذا الإعلام نجم السنة من دون منازع. ولكن في الوقت نفسه لم يُشتم شيء بمقدار ما شتم الإعلام... فمن كبار القوم الى صغارهم، في هذا البلد او ذاك، كلما احتاج احد الى كبش محرقة او ما يقال له في لبنان «مكسر عصا»، كان الإعلام جاهزاً للعب هذا الدور... يتلقى التهمة او الشتيمة بصدر رحب، وبالكاد يقف مدافعاً عن نفسه. وفي يقيننا انه ليس في حاجة الى هذا طالما ان الواقع المتحرك والصاخب الذي يحيط بنا، في المناطق العربية على الأقل، يكاد يعطي الإعلام حقه. ولعلنا نعني هنا بالتحديد الإعلام المصوّر. وحسبنا في كل يوم وساعة ولحظة أن نقبع امام اجهزتنا التلفزيونية لنتيقن من هذا. حسبنا ان نفعل لنجد في كل التصريحات الكبيرة والصغيرة، العفوية او المدروسة بعناية، اموراً مثيرة للسخرية... وربما يكون في امكاننا هنا ان نقف عند واقعين من بين مئات يمكن التوقف عندها لتبيان فحوى ما نقول. والأكيد ان هذين الواقعين يرتبطان معاً بالحراك العربي الشارعي العام الذي انتج ما يسمّى «الربيع العربي»... سواء حقق هذا الربيع انتصارات او جموداً، أنظمة حكم او حروباً تكاد تكون اهلية. الواقع الأول هو ان ما نسمح لأنفسنا بأن نسميه «انتصار الصورة» – التلفزيونية تحديداً في حالتنا هنا – يتجلّى اكثر ما يتجلى في خلقه حالة تصويرية عامة تجعل من كل مواطن – سواء كان في صفّ الحراكات الشعبية او لم يكن - صحافياً قلمه الكاميرا، ومادته ما يراه ويعيشه... فينتج بهذا ملايين الصور التي تشهد وتدين وتؤثر وتنقل يوميات ما يحدث، فتعطي لهذا الذي يحدث معانيه ودلالاته... وربما ستكون هي الصور ذاتها التي ستشكل لاحقاً المادة الخام التي سيتحقق انطلاقاً منها كمّ هائل من الأعمال الأكثر فنية ورهافة. والأكيد ان هذا هو النتاج الحقيقي لما كان كثر قد توقعوه منذ عقود من ان التكنولوجيا الحديثة والزهيدة الكلفة، ستجعل من فن الصورة «المتحركة» الفن الأكثر ديموقراطية في تاريخ الإنسان. اما البعد الثاني والمهم الى حد كبير في نظرنا فيتجلى في صورة ربما نميل الى اعتبارها «صورة العام»: في الصورة الملتقطة خلال التظاهرات نرى مجموعات من المتظاهرين وهم يرفعون – وربما للمرة الأولى في تاريخ الثورات - لافتات ضخمة كتبت عليها آيات الشكر لعدد من المحطات التلفزيونية الفضائية بخاصة... كرد جميل للدور «التحريري» الذى يرى المتظاهرون ان الاعلام التلفزيوني «المستقل» قد لعبه ولا يزال، في الصراع القائم بعنف بين من يتطلع الى الحرية وكل اولئك الذين يتطلعون الى ادامة الاستبداد بمن فيهم الذين يشتمون الإعلام ويعتبرونه رأس الفتنة! ويقيناً ان لدينا هنا، في الحالتين ما يبرر اعتبارنا الإعلام، والمصوّر منه في شكل خاص، الظاهرة الأبرز طوال عام التحركات الكبرى... سلباً بالنسبة الى البعض وفي شكل ايجابي بالنسبة الى البعض الآخر... بالنسبة الى الغالبية العظمى نكاد نقول.