عندما شاهدت تمثال صدام حسين وهو يسقط في ساحة الفردوس على يد جنود أميركيين آمنت أنني أعيش لحظة تاريخية صبغت شعري باللون الأبيض، شعرت بأنني هرمت وبأنني أعيش لحظة تاريخية كتلك التي كلما حكى عنها كبار السن قالوا: «الله المستعان». ورحت أقلدهم وأؤرخ أحداث حياتي منذ ذلك اليوم بما قبل وما بعد سقوط تمثال صدام حسين. ظناً مني أنها لحظة تاريخية لا تتكرر في العمر إلا مرة واحدة. لكنني كنت مخطئة، فلم يلبث الزمن أن عاد بثورة تونسية بدأت بحرق محمد بوعزيزي نفسه فامتلأت الشوارع بالناس، قلنا إنها مجرد أحداث ثانوية، حتى وقف أمام شاشات التلفاز بن علي وقال مقولته التاريخية الشهيرة: «فهمتكم». ثم هرب. يا لها من لحظة تاريخية! لم يمر نصف شهر إلا وميدان التحرير يمتلئ بمليون متظاهر ويقف مبارك مرة أخرى أمامنا ويقول «مش حرشّح نفسي تاني». هذه هي اللحظة التاريخية الحقيقية، لكن هذا كذب. جاءت اللحظة التاريخية الأخرى، تنحّى. ثم قامت ثورة اليمن يا لها من لحظة تاريخية! خرج اليمنيون وصاحوا وغنوا ارحل، فردّ عليهم علي صالح: فاتكم القطار، فردوا عليه: ارحل «شلوك الجن»، ثم قصف قصره مجهولون لعلهم الجن، وذهب للعلاج في الرياض وعاد يقول لشعبه لقد مت 15 يوماً وعدت للحياة، كان بصحبة الجن إذاً. ثم قامت ثورة ليبيا، هل سيصدقني أحفادي المحتملون - بعد عشرين عاماً - لو حكيت لهم أن القذافي الذي فجّر لوكربي والمقاهي والطائرات هو نفسه من ثار ضده شعبه؟ وهذه حكاية طويلة من اللحظات التاريخية التي امتدت ثمانية أشهر، لكن الحدث التاريخي الذي قضى على كل لحظة في الثورة هو مشهد القبض على القذافي وسحله هو وابنه. أنظر خلفي أقيس المسافة الزمنية من لحظة ساحة الفردوس فلا أصدق أنها كانت أقل من عشر سنوات. «من فهمتكم» مروراً ب «من أنتم» و «فاتكم القطار» ويليها «الجرذان» و «زنقة زنقة». كم لح ظة تاريخية عشناها، وكم من «الله المستعان» قلناها. لقد كثرت لحظاتنا التاريخية حتى هرمنا بحق ولم نعد نسمع إلا الله المستعان. أصبحت اللحظة التاريخية التي لا يعيشها المرء إلا مرة واحدة في العمر وقد لا يعيشها أبداً من كثرتها يعيشها كل يوم، صرت تصحو الصبح وأنت تقول استعنا بالله على ما سيأتي من لحظة تاريخية مقبلة. تخاف تفتح باب غرفتك فتصدمك لحظة تاريخية. في ليلة القبض على القذافي، كنت غاضبة من زوجي لا أحدثه، لكن لحظة تاريخية جاءت لا بد أن أخبر أحداً عنها. ما أدراني أن لحظة تاريخية ستأتي وأنا غاضبة منذ ساعة، فما كان مني حين فتحت التلفاز ورفعت صوته، إلا أن صحت: الحق تعال شوف لحظة تاريخية. [email protected]