في كتابات متعددة عن الإعلام المعاصر ووسائطه، خصوصاً الفضائيات والإنترنت والشبكات الرقمية الإجتماعية وشبكات الخليوي، إشتُهِر المفكر الفرنسي دومينيك وولتون برؤيته النقدية لهذه الوسائط ومفاعيلها. وفي كتابه «الإعلام ليس تواصلاً» (صدر مترجماً عن «دار الفارابي»، بيروت، 2012) يرى أن سحر الإنترنت يتحدّد في السرعة والحرية والتفاعلية. وشدّد على أن هذه الشبكة تثير في الوقت نفسه مفارقات عدة. إذ تحضّ على الكتابة وتحط من شأنها في آن، تفتح أبواب المعرفة من دون القدرة على الغوص فيها، تتيح البحث عن علاقة إنسانية فيما المستخدم غارق في وحدة رهيبة يلخّصها وولتون بعبارة: «أحرار، لكن وحيدون». ويعتقد بأنه على قدر ما يوجد من حرية توجد انحرافات، وهذا مكمن الإغواء في عمليات الإتصال عبر الفضاء الإفتراضي، في غياب الضوابط أو الكوابح، ما يجعل رؤيته للإنترنت أشبه بدعوة تحضّ على الخروج من أسر «الإيديولوجيا التقنية». في نظر وولتون، يبدو الإعلام السمة الأبرز للقرن العشرين، كما ورد في كتابه «العولمة الأخرى» (2004). ويلاحظ أن تطوّر الإعلام فرض وجوده في كل مكان تقريباً، من غير أن يكون ضامناً للحقيقة. ويشير إلى أن الإعلام الحديث، بقدر نجاحاته نجد اخفاقاته. ويعطي أمثلة على هذا الأمر، منها أن مزيداً من المعلومات لا يعني التنوّع بل التنميط، كما أن التدفق السريع للمعلومة وصور الإعلام، يمنع المقارنة. وكذلك الحال بالنسبة الى الإختزال وتغييب السيَاقات الثقافية، وتغليب «السبق» على ما هو جوهري، والسرعة على الفهم، والمنطق الإقتصادي الذي يقدم الخبر المجاني على أنه أكثر حرية، وخطر الأخبار غير المرفقة بصور وغيرها. ولا يتردد وولتون بالقول وأيضاً إنه كلما زاد حجم المعلومات زاد ما هو خفي منها، مع تشديده على خطورة انحسار العمل الإعلامي إلى الإشتغال داخل دوائر ضيقة. وكذلك يحسب أنه بسبب من نزعة «استهلاك» الأخبار، يتجه الإعلام أكثر ليكون «إعلاماً جماهيرياً»، لكن مزيداً من المعلومات قد يعني أيضاً مزيداً «من عدم التسامح والتجهيل». وينبّه إلى أن الإنبهار بتقنيات الإعلام يترافق بقوة مع ضعف الحس النقدي إزاءه. ويستنتج: «التأني والبطء هما وتيرة الإنسان، أما السرعة فوتيرة التقنيات». ويرى وولتون أيضاً أن الإعلام الساعي الى الإتصال غالباً ما يصطدم بعدم الإتصال وبتناقضات كامنة في نقل المعارف التي تتزايد الحاجة إليها، لكنها تصطدم بإنتشار المعلومات الموجزة والقصيرة، وبالأخبار التي تنتشر من دون تدقيق ومن غير حِرفية. وفي سياق متّصل بهذه الأفكار عينها، يُشدّد وولتون في كتابه «يجب إنقاذ الإتصال» (2005)، على مهنة الصحافة ودور العاملين فيها (إذ يعتبرهم خبراء) ويحذرهم من الوقوع تحت الضغوط، خصوصاً ضغط الجمهور. ويضيف إلى هذا الأمر، إشارة إلى المعرفة ومن يمتلكها، أي الجامعيون (التكنوقراط)، مُنبّهاً إلى أن «الصحافيين والإعلاميين أولاد عمومة أو خؤولة». وفي كتابه «الإنترنت: مرشد صغير للبقاء»، يسعى وولتون الى إنقاذ الإعلام والإتصال معاً، إذ يعتبرهما أداتين لتحرر الإنسان وحقه في التفكير والتعبير وتنظيم التعايش (نقيض القول ب «صراع الحضارات») في عالم الغيرية والفوارق الثقافية.