على رغم توقف صحيفة «فرانس سوار» المسائية الفرنسية عن الصدور في 13 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، فإنها لم تخلّف أي فراغ على صعيد الصحف اليومية الفرنسية. وسائل الإعلام الفرنسية تناقلت نبأ إغلاق الصحيفة الورقية والاستعاضة عنها بموقع الكتروني إخباري، باعتباره نهاية بديهية لحال النزاع المديدة التي عاشتها «فرانس سوار» منذ سنوات. وعلى رغم ابتعاد القراء عن الصحيفة والانحسار المأسوي لمبيعاتها، فإن موتها يبدو أشبه بموت عملاق بعد صراع طويل وخاسر من أجل البقاء. ومثلها مثل كل الصحافة المكتوبة، اصطدمت «فرانس سوار» بالعقبات التي أفقدت مجمل الصحف الفرنسية جزءاً من عائداتها نتيجة منافسة التلفزيونات الإخبارية والمواقع الالكترونية لها، ما أدى الى تقلص سوق الإعلانات أمامها. لكن «فرانس سوار» تضرّرت أيضاً نتيجة جملة من المشكلات الذاتية التي تعذر تسويتها، ومنها مراكمة الديون والترهل الذي قضى على هويتها المميزة بين سواها من اليوميات الفرنسية. عندما تأسست «فرانس سوار» عام 1944، كانت تتمتع بإمكانات مادية وبشرية مذهلة، إذ بلغ عدد موظفيها 1000 شخص، منهم 400 صحافي و «جيش» من المستكتبين. وأسندت رئاسة تحريرها الى بيار لازاريف الذي بث فيها الدينامية والحماسة والفضول التي ميّزت طباعه. ويُنقل عن لازاريف انه كان يطلب من صحافييه تغطية كل ما يجري في فرنسا والعالم وعدم التغاضي عن أي خبر يمكن ان يثير اهتمام القراء، فضلاً عن تدعيم عملهم بالأخبار الخاصة والعاجلة، ما أدى الى ارتفاع مبيعات «فرانس سوار» من 500 ألف عام 1950 الى أكثر من مليون نسخة بين عامي 1957 و1962. وتصدرت «فرانس سوار» طوال 25 سنة رأس قائمة الصحف الفرنسية الأكثر مبيعاً، بسبب دسامة موادها وتنوعها. لكنها بدأت تواجه بعض الصعوبات مع بداية انتشار التلفزيونات في ستينات القرن الماضي وبروز تململ لدى مجموعة «هاشيت» التي كانت تملك الصحيفة من سوء إدارة أوضاعها المالية وسقوطها في المديونية. وفي عام 1976، قررت مجموعة «هاشيت» بيع الصحيفة الى مجموعة «روبير هيرسان»، ما شكل بداية النهاية للصحيفة التي كان عدد مبيعاتها تراجع حينها الى نحو 420 ألف نسخة. والتغييرات التي اعتمدت على صعيد هيئة تحريرها وعلى صعيد صيغتها وتبويبها لم تحل دون استمرار مبيعاتها في التآكل، إذ وصلت الى نحو 250 الف نسخة عام 1987. وعملت مجموعة «هيرسان» مجدداً على إدخال تعديلات جديدة على الصحيفة، أملاً بالنهوض بها مجدداً، لكن مجمل الإجراءات الإدارية والتحريرية بقيت بلا مردود. ولم تتمكن «فرانس سوار» من استعادة مكانتها لدى جمهورها. وفي مؤشر على البؤس الذي آلت إليه الصحيفة، باعتها مجموعة «هيرسان» بسعر رمزي هو فرنك فرنسي واحد عام 1999، لكن الصحيفة استمرت في مراكمة الخسائر وبدأت تنتقل تباعاً من متموّل الى آخر... حتى اشتراها عام 2009 رجل الأعمال الروسي سيرغي بوغاتشيف الذي أسند إدارتها الى نجله الكسندر الذي لا تربطه أي صلة بعالم الإعلام والصحافة. وعلى رغم الطموحات العملاقة التي عبّر عنها بوغاتشيف الذي أكد أنه سيعيد إلى «فرانس سوار» جزءاً من أمجادها «الغابرة» ويرفع عدد مبيعاتها الى 75 ألف نسخة، فإن مبيعات الصحيفة لم تتمكن من الارتفاع أكثر من 25 ألف نسخة في مقابل كلفة شهرية تقدر بنحو 2.9 مليون يورو شهرياً. وعلى ضوء الخسائر أطلق بوغاتشيف رصاصة الرحمة على «فرانس سوار» أخيراً، فأوقف طباعتها وصرف 89 من أصل 127 صحافياً يعملون فيها، وكلف ما تبقى من هيئة التحرير بإصدار صحيفة رقمية بديلة.